قامْ الدب تَـ يرقص
قال أبو الجود إن الصدق سلوك جيد، ومحترم، ولكنه غير مُمْتِعْ، وأما الكذب فيخلق مواقف غريبة، وأحياناً يضعنا أمام حالات مضحكة، يعني، بالمختصر، الكذب شيء مفيد.
قال أبو جهاد: حيرتنا بأمرك يا سيد أبو الجود، مرة تقول إنك غير معتاد على الكذب، وإنك إذا كذبت ينكشف أمرك وتتبهدل، ومرة تجلس متكئاً وتقول إن الكذب يخلق مواقف مضحكة، وكمان مفيد.. وما أعرفه أنا وغيري عنك هو أن لك باعاً طويلاً في الكذب، ومع ذلك تكذب علينا الآن وتقول إنك لا تكذب.
قال أبو الجود: عندما أقول هنا، أمام هؤلاء الرجال الطيبين، إنني كذبت، وانكشف أمري، فهذا يعني أنني صادق، أما أنت وأمثالك -يا أخي أبو جهاد- فتفعلون العكس؛ تكذبون وتزعمون أنكم صادقون.. والفارق بيننا كبير.
ضحك العم أبو محمد وقال: يعني ما بيصير بلا المناقرة بينك وبينه؟ يا أخي احكوا لنا حكاية تسلينا أحسن من كل هاللت والعجن.
الأستاذ كمال، في الحقيقة، مولع بحكايات "أبو الجود" ويتمنى لو أنه يمتلك مثل طريقته في رواية القصص الواقعية، لذا سارع إلى قطع الطريق على أبو جهاد، وقال:
- يا جماعة، أنا عندي اقتراح، إذا كانت الحكاية المطلوبة عن "الكذب"، فأرجو إحالتها على أخينا "أبو الجود" بحسب الاختصاص!
ضحك أبو الجود: والله يا أستاذ أنا أكذب أحياناً ولكن ليس لدرجة (الاختصاص). على كل حال أنا جاهز.
قال العم أبو محمد: تفضل عين عمك.
والتفتت الأنظار نحوه، وأصغينا إليه باهتمام.
قال أبو الجود: عندما كنت أعزب وجدتُ لدي ميلاً لتعلم العزف على العود. ولم يكن لدي مال فائض لأنني كنت أدخن بشراهة وأصرف خرجيتي كلها ثمناً للسجائر، لذلك أقلعت عن التدخين لمدة سنة، وصرت أضع في علبة نحاسية ما يعادل ثمن علبتي سجائر يومياً، حتى وفرت ما يكفي لشراء عود. المهم؛ اشتريت عوداً، وصرت أمضي الوقت في محاولات التعلم. وذات مرة تعلمت معزوفة "قام الدب تـ يرقص"، وصرت أستمتع بعزفها. بتعرفوا هاي الأغنية؟
قلت: طبعاً. إنها معزوفة ذات لحن جميل جداً، كان الناس يغنونها في السهرات عندما يقوم إلى الرقص رجل من محبي الضحك والمزاح.. وقد أخذها الموسيقار الكبير زكي ناصيف وغَيَّرَ كلماتها، ولحنها للفنان الكبير وديع الصافي، حتى صارت الأغنية الشهيرة: طلوا حبابنا طلوا.
دهش الحاضرون من هذه المعلومة، وقال أبو زاهر: معقولة؟ حَوَّلها مِنْ "قام الدب تـ يرقص" لـ "طلوا حبابنا"؟
قلت: نعم، وأنا متأكد. زكي ناصيف، رحمه الله، نفسه روى هذه السالفة في إحدى مقابلاته التلفزيونية. على كل حال أرجو من أبو الجود متابعة حكايته.
قال أبو الجود: بينما أنا أعزف الأغنية؛ رن جرس الباب، فتوقفت عن العزف، وقلت لأمي بصوت واطي: مين ما كان طارق الباب قولي له إني مو هون. مو جاية على بالي أن أستقبل حدا في هالوقت.
مشت أمي إلى الباب وقالت مين؟ فأتاها صوت ابن عمي ماهر يقول:
- أنا ماهر. افتحي مرت عمي. وين أبو الجود؟
فتحت والدتي الباب وقالت له: أبو الجود مو هون.
ضحك ماهر وقال لها: أشو هالمزح يا خالة؟ هوي موجود في البيت. هلق كان عم يدق ع العود. أنا سمعت صوت العزف من الزقاق.
وعلقت بين أمي وابن عمي ماهر.. هي تنكر وجودي في البيت، وهو يؤكده، حتى إنها نفت وجود العزف على العود من أساسه.. إلى أن غضب ماهر وقال لأمي:
- يا خالة، مع احترامي لحضرتك، أنتي عم تكذبي.
ووقتها أنا ما عدت أحتمل، فخرجت إليه وقلت له:
- لا يا ابن عمي ماهر. هذا الكلام غير لائق. أمي امرأة كبيرة وموقرة، هل يعقل أن تكذب؟! قالت لك إني مو هون، خلص صدق أني مو هون!
للحديث صلة