قانون الأحوال الشخصية العراقي: جدل الربح والخسارة
منذ عام 2006، وقانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لعام 1959 محطّ جدلٍ واسع، خصوصًا في ظلِّ المُطالبات المتكرّرة بتعديله، مع العلم أنّ محاولات تعديله غالبًا ما كانت تُقابل برفضٍ قويّ من قبل قطاعاتٍ واسعة من المجتمع.
إنّ رفض تعديل قانون الأحوال الشخصية لا يعبّر عن التمسّك بالمكاسب الحاليّة فقط، بل يكشف أيضًا عن خوفٍ عميقٍ من تداعيات هذه التعديلات على النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنيّة.
وهذا القانون يُعدّ من القوانين القليلة في المنطقة التي مَنحت المرأة حقوقًا نسبيّة في الطلاق، الحضانة، والإرث، وهذه المكاسب القانونية، رغم أنهّا ليست كاملة، لكنها مثّلت تطوّرًا مهمًا في سياق مجتمعاتنا المحافظة.
بالتالي، فإنّ أيّ محاولةٍ لتعديل هذا القانون تُقابل بمقاومةٍ شديدة من قبل الناشطين الحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني، ورفض التعديلات التي يطرحها البرلمان، والتي تسعى إلى تقويض مسألة الحقوق والحضانة، ويعكس هذا الخوف من أنّ هذه الإصلاحات قد تأتي على حساب تلك الحقوق المكتسبة، ممّا قد يؤدّي إلى تراجع الوضع القانوني للمرأة.
لكن، ومن زاويةٍ أخرى، لا يمكن إنكار أنّ القانون نفسه بحاجةٍ إلى تحديثٍ يتماشى مع التطوّرات الاجتماعيّة والثقافيّة التي شهدها العراق خلال العقود الأخيرة. رغم أنّ الرفض الحالي مبني على حماية المكتسبات، إلّا أنّه قد يُفهم أيضًا كإعاقةٍ لإصلاحاتٍ ضروريّة لتحديث القانون وجعله أكثر ملاءمة للواقع الحالي.
إنّ رفض تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي ليس مجرّد تمسك بالماضي، بل هو دعوة للتأني في اتخاذ قراراتٍ تمسّ حياة الناس اليوميّة
ومن أهم النقاط المثيرة للجدل في مقترحاتِ التعديل هو البعد الطائفي الذي قد يتسرّب إلى النصوص القانونيّة. التعديلات المقترحة، إذا تمّ تنفيذها، قد تؤدّي إلى تقسيم المجتمع على أسسٍ طائفيّة من خلال السماح بتطبيق الأحكام الدينيّة لكلِّ طائفةٍ على حدة.
وهذا التوجّه قد يعمّق الانقسامات في مجتمعٍ متعدّد الأعراق والطوائف مثل العراق. ورفض التعديل، في هذا السياق، يمكن تفسيره على أنّه رفض لمحاولاتِ تفكيك الوحدة الوطنيّة التي يجسّدها القانون الحالي.
وحتى مع النقص في بعض شروحات القانون النافذ، فهو يقدّم نموذجًا لتعايش مشترك بين مختلف المكوّنات العراقيّة. لذلك، فإنّ الإبقاء على القانون بشكله الحالي قد يُعتبر ضروريًا للحفاظ على هذه الوحدة، مع الحذر الشديد في أيّة محاولة لتعديله.
وبينما يتمسّك المعارضون للتعديل بالوضع القائم حفاظًا على المكتسبات القانونيّة والاجتماعيّة، هناك ضرورة للاعتراف بأنّ القانون بحاجة إلى إصلاحات جذرية تعالج التحدّيات المعاصرة.
يكمن القول إنّ التحديث لا يعني بالضرورة المساس بالمكتسبات، بل يمكن أن يكون فرصة لتعزيزها وتوسيع نطاقها. والمشكلة تكمن في كيفيّة تقديم هذه الإصلاحات بشكل يحظى بقبولٍ واسع ولا يتسبّب في إثارة القلق من العودة إلى الوراء.
رفض تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي يجب أن يُنظر إليه كفرصة لبدء حوار وطني شامل حول كيفيّة تطوير هذا القانون بما يتوافق مع احتياجاتِ وتطلّعاتِ المجتمع العراقي. كما يجب أن يشارك في هذا الحوار جميع الأطراف المعنيّة، من ممثّلي المجتمع المدني والمنظمات النسويّة إلى رجال الدين والمشرعين، بهدف الوصول إلى توافقٍ حول الإصلاحاتِ المطلوبة.
عليه، إنّ رفض تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي ليس مجرّد تمسّك بالماضي، بل هو دعوة للتأنّي في اتخاذِ قراراتٍ تمسّ حياة الناس اليوميّة. والتحدّي الأكبر هو كيفيّة تحقيق التوازن بين حماية المكتسبات والتطلّع إلى مستقبل أفضل يعكس تطلّعات الجميع في مجتمعٍٍ، متنوّعٍٍ ومتعدّد.