قصة مسلسلة: مروان والمرأة المولولة (1)

12 مارس 2018
+ الخط -
تعلمتُ كيف يتصدر الحكواتي المقهى المليءَ بالسمّيعة، ويسلطنُ عليهم فيشرق ويغرب على هواه.. تعلمتُها من صديق أديب لبناني متميز هو سحبان بن أحمد مروة. (توفي في 27 مارس 2012).

وأما الحكاية التي رواها الحكواتي فهي من عندي، وحقوق الاقتباس محفوظة، وبالطبع ليست من بنات خيالي وإنما رُوِيَتْ بحضوري، وكانت غائمة قليلاً، ولكن، من خالد كلمة، ومن حسين جملة، من محمود تعليق، وإذا بها تُحاك وتحبك وكأنها مؤامرة، أو حرب يشنها رئيس عصابة، مثل بشار الأسد، على شعب دولة عريقة، ثم يأتي رؤساء عصابات أخرى، مثل خامنئي وبوتين، ليشاركوه في جريمته التاريخية، أو أنها تُحْبَكُ مثل مشروع تنمية في إحدى الدول العربية تُصْرَفُ عليه ملايينُ الدولارات كرمى للقطة تلفزيونية ثم ينصرف الجميع وينام المشروع، أو كأنها مشاجرة عربية يروح فيها كم قتيل، وتنتهي بتبويس الشوارب على المسك.


أعجبتني الحكاية المحبوكة هذه، فأخذتها، وأضفت عليها شيئاً من عنديَّاتي، لكيلا يقول لي أحد :"ماذا فعلت أنت؟" فعلتُ، ونحن دائماً نفعل، ونترك، ونخفض، ونرفع، وإلا لماذا يكون الفاعلُ في لغتنا العربية مرفوعاً دائماً، وما عداه مجرور، ومكسور، ومنصوب، وفي أسوأ ساكن؟
الحادثة تبدأ من فراغ، أو من حالة أرق.. والرجل المُؤَرَّق لا تهمنا جنسيتُه، ولا الجغرافية التي ينتمي إليها، ولا حتى مذهبه. ولكن المهم أنه عربي، كما في الصرخة التي قالها محمود درويش ثم ندم عليها، (سجل أنا عربي)! والمدينة التي يسكنها عربية، أبا عن جد، وكابراً عن كابر.. والدنيا ليل، والدنيا صيف، والحر شديد، والليل في منتصفه (لاحظوا أنني شرعت أملأ ثقوب الفراغ من مبدأ: أينما وجدت فراغاً سده فأنت لست بأكرم ممن أحدثه) وقد أوى المؤرق، واسمه، على سبيل الافتراض، مروان، إلى فراشه لينام، فعلق مع النوم علقة مسخمة.

تعليق الحكواتي: مسخمة يا أخوان فصيحة، فهي منحوتة من سخام المدافئ والأثافي. قال الشاعر ممتدحاً سخامَ أثافيِّ حبيبته الراحلة:
أثافيَّ سفعاً في مِعَـرَّسِ مرجلٍ
ونؤياً كجذم الحـوضِ لم يتثلمِ
قال الراوي: فالتفت فَعْلان إلى زوجته، فوجدها نائمة باطمئنان وعمق لا يعرفه سوى الخلفاء العادلين الذين أودى عدلُهم بحياتهم بينما عاش الخلفاءُ المسلحون بالذعر ومشتقاته طويلاً. لكزها فقالت: بف ف ف.. آ..
(ومعناها كما شرح الحكواتي: بحبك في النهار فقط، فافرنقع الآن).
ولكزها ثانياً فقالت: كخ خ خ..
(وهذه لم يشرحها الحكواتي، لأن من حق المتلقي بزعمه أن يكون شريكاً في العملية الإبداعية ويفهمها بنفسه).

ففهم أخونا فعلان أن زوجته قد وصلها حقها من الحب على مدى عشرين عاماً فاكتفت به مثلما اكتفى بعض العربان بنصيبهم القليل من الحضارة والسلام والأرض مترجمين بالمثل القائل (المكتوب على الجبين يجب أن تراه العين) إلى صيغة عَمَلية.
دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...