كورونا... بين الإجبار والحرية الشخصية لأخذ اللقاح!
وفقاً لاستطلاع رأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث، يرفض نحو 40% من الأميركيين تلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا، ما يزيد مهمة احتواء الفيروس تعقيداً. وقد يكون بسبب تدني الثقة باللقاحات وسرعة تطويرها، حيث كان يستغرق في السابق مدة لا تقل عن أربع سنوات. بينما خلصت دراسة علمية بشأن قبول لقاح كورونا، أجراها فريق من الجامعة الأردنية، إلى أن أقل من ثُلث السكان في الدول العربية، سيأخذون اللقاح. وفيما امتدحت تلفزيونات بعض الدول العربية اللقاح الصيني لحد الترويج له، إلا أن الأمر كان مختلفاً على صفحات التواصل الاجتماعي، إذ انقسمت الشعوب ما بين مرحب للتخلص من الوباء وسرعة العودة إلى الحياة الطبيعية، وما بين مشكك ومتخوف، فضلاً عن المقارنات بين اللقاح الصيني، ولقاح فايزر الأميركي.
ويوماً بعد يوم، أصبح مؤكداً أن الثقة العامة باللقاح هي مفتاح إنهاء الأزمة المستمرة، بحسب ما قاله كبير خبراء الأوبئة الأميركي، أنتوني فاوتشي، الذي شدد على أهمية غرس الثقة في الرأي العام بسلامة اللقاح وفعاليته.
ما بين تغليب المصلحة العامة على الشخصية، وما بين الإجبار والحرية الشخصية، تبقى المجتمعات غير محصنة للخروج من هذه الأزمة بسلاسة، إلا إذا اكتسبت رؤية أعمق لوحدتها المتأصلة
ولست من الخبرة أو المؤهل ما يمكنني الكتابة عن اللقاح، فطريقة تطويره تخضع للمتخصصين. لكن للتطرق إلى مسألة أزمة الثقة في هذه اللقاحات والمفاضلة بينها، والتخوف العام من مسألة سرعة إنتاج اللقاحات وإثارة بعض الشكوك حولها، في ظل وجود جماعة رافضة قطعياً لأخذ المطعوم بغضّ النظر عن طريقة تطوير اللقاح، وهو ما يعزز من أهمية بناء الثقة في اللقاحات لطمأنة الناس حولها من أجل تحقيق المناعة الجماعية المنشودة، وذلك في ظل وجود بعض المحدِّدات التي تحكم عملية شراء اللقاحات.
ولا بد من الإشارة إلى أن معارضي اللقاح موجودون في جميع أنحاء العالم، ومنهم من استمر في إلقاء اللوم على المنظومة الصحية وفاعليتها في احتواء الأزمة الصحية ومن الخوف على الحرية الشخصية إن كان هناك إجبار على أخذه. وقد يكون الغموض المحيط بتأثيراته الجانبية، ما يُعزز الشك حول التمكن من التوصل إلى لقاحات دقيقة رغم محدودية المعرفة العلمية بالفيروس.
إن ضياع "الثقة" بين مختلف مكونات المجتمع، جانب آخر في تفاقم المشكلة، ولا أحد يثق بأي قطاع من القطاعات. وغالبية المجتمع لا تثق بما تقوله الحكومة، فالمعلومات التي تتدفق من الصحة والجهات الأخرى المختصة لا يمكنها وقف سيل الإشاعات ونظريات المؤامرة الجارف. ومحلياً، يتخوف المسؤولون الصحيون من التردد في الإقبال على أخذ المطعوم، خاصة أن المسجلين ما زالت نسبتهم قليلة.
وبما أننا شاهدنا كيف كان تأثير هذه الجائحة بالحركة نحو الوحدة بين الأمم، فاللقاح ضد كورونا لا بد من توفيره للبشرية جمعاء مهما تفاوتت أعراقهم ودخلهم. وهذا يتطلّب تعاوناً شفافاً وصادقاً من الدول المعنية، وإلا فإن إنتاجه بدوافع من الأنانية والاستئثار لا يمتّ إلى الإنسانية بشيء، بل يثبت أننا لم نتعلم أياً من دروس الفيروس القاسية.
التحدي الآن، هو القدرة على توفير اللقاحات، في ظل ضعف قدرة الشركات المنتجة للقاح على تغذية الطلب العالمي المتزايد على اللقاحات. كذلك هناك حالة من عدم العدالة وتساوي الفرص في توزيعها، وتعالت أصوات منظمة الصحة العالمية، بأن ليس من العدالة أن يحصل الشباب الأصحاء في الدول الغنية على اللقاحات قبل أولئك الأكثر عرضة للخطر في الدول الفقيرة. بل ذهبت لأبعد من ذلك، حين أشارت إلى أن العالم مهدد بـ"فشل أخلاقي كارثي" بسبب عدم تكافؤ سياسات توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا.
وما بين تغليب المصلحة العامة على الشخصية، وما بين الإجبار والحرية الشخصية، تبقى المجتمعات غير محصنة للخروج من هذه الأزمة بسلاسة، إلا إذا اكتسبت رؤية أعمق لوحدتها المتأصلة.