لا تأكل من شجرة الكرز يا نبهان (1)
إننا نتابع، في سهرة الإمتاع والمؤانسة، الحكايات التي كنا قد وضعنا لها عنوان "سيرة العقل والجنون" نفسها. أبو المراديس الذي ينقل هذه الحكايات إلى مدونات "العربي الجديد" ارتأى أن يضع لهذه الحكاية عنواناً آخر، مشتقاً من أحداثها. فقد أقدم الشاب العاقل المجنون نبهان الملقب "طَقّ مْصَدّ" على اقتحام حديقة عمه الحاج فاضل، وتَقَصَّدَ أن يأكل من الشجرة التي نهاه عمه عن الاقتراب منها، وهي شجرة الكرز.. لم يكتف بأكل بضع حبات من الكرز، بل إنه أحضر عصا غليظة وراح يضرب الأغصان حتى هشمها على نحو عبثي..
توجهنا إلى أبو الجود الذي كان يروي القصة بالسؤال عن سبب هذا العنف الشديد الذي بدر عن "نبهان- طَقّ مْصَدّ" فقال: أبو الجود: حكيت لكم في السهرة السابقة إنه أبو نبهان راح على معرتمصرين وأجبر إبنه يرجع معه ع القرية.. ونبهان كان مبسوط كتير بالعيشة مع رفاقه في دار بكار، منشان هيك صار يفكر بطريقة تخلي أبوه يتندم على فعلته.. وبعد تفكير طويل خطر له يدخل على حديقة عمه الحاج فاضل، وياكل من شجرة الكرز اللي سبق لعمه إنه قال له (لا تقرب عليها).. وبما أن عمه محتاط للأمر، جاب أدوات حادة، وصار يقص ويكسر، وكل هدفه إنه يشتكي عليه عمه فاضل، وتنتقل القصة للشرطة، وياخدوه، وأبوه يتلبك، ويغضب، ويطرده من داره مرة تانية، ويرجع لعند بكار.
حنان: القصة تعقدت كتير. يا ريت تحكي لنا شلون انتهت.
أبو الجود: طبعاً بدها تتعقد.. المهم، الحاج فاضل صار يصرخ، واجتمعوا الناس، ونادى لشقيقه أبو نبهان وفرجاه شلون صايرة الحديقة بعد التكسير، وأبو نبهان شال العصاية ولحق نبهان وصار يضربه، وركضوا الرجال الموجودين وخلصوه منه، لأنه كان عم يضربه على راسه وعلى إيديه ورجليه بدون وعي، خافوا ما يموت نبهان من قوة الضرب أو تنزل العصاية في مكان تتسبب له بعاهة دائمة. والحاج فاضل خاطَب شقيقه وبقية الموجودين وقال إنه ما في داعي للضرب، البلد فيها حكومة وشرطة وقضاء، وكل إنسان بياخد حقه في المحكمة. وبعدما طلب من الناس يشهدوا عالواقعة قال إنه هوي راح ينزل ع الكروزة (الطريق العام) ويطلع في أول سيارة رايحة ع معرتمصرين، ويجيب الشرطة ويطلب منهم يكتبوا ضبط.. بعض الرجال المصلحين حاولوا يقنعوه إنه يحلها بالرواق والتفاهم، فقال: التفاهم مع مين؟ ابن أخوي "طق مصد" مجنون، في حدا بيحسن يتفاهم مع مجنون؟.
الحاج صطيف: الله يلعن الشيطان صدقني تندمت. خيو المهم هلق نخلصه من هالمحنة، واللي بدك ياه بيصير
أبو جهاد: ههه ههههه.. ابن أخوه مجنون؟ على أساس هوي عاقل يعني.
كمال: ملاحظة أبو جهاد كتير ذكية. على فكرة؛ كل واحد من الناس العاقلين لما بيغضب بيوصل لحافة الجنون.
أبو الجود: اللي كان عم يخطط له نبهان صار. دورية الشرطة أجت ع القرية، وعملوا ضبط بالحادثة، وأخدوا إفادات تنين أو تلاتة من رجال القرية بصفة شهود، وألقوا القبض على نبهان، وانصرفوا. وهون بلشت القصة تاخد أبعادها..
أبو زاهر: قصدك عند الشرطة؟
أبو الجود: قبلما نوصل للشرطة، متلما بتعرف قريتنا زغيرة، ولما بتصير مشكلة ما بيبقى صوص ابن يوم ما بيسمع فيها، وكل واحد بيحاول يعمل شي؛ إما ليحلها أو ليعقدها.. بعدما الشرطة أخدوا نبهان صارت دار الحاج صطيف متل الدار اللي فيها عرس، أو دار رجل راجع من الحج، والمسكين الحاج صطيف انصرع راسه من كتر الأفكار والآراء اللي انطرحت عليه، واحد يقول له: ما بيصير تتخلى عن نبهان، هادا إبنك، والظفر ما بيطلع من اللحم.
وواحد تاني يقول له: اتركه خليه يتربى، هلق إذا بتروح وبتسعى له وبتفك سجنه بيطمع وبيصير كل يوم بيعمل لك مشكلة..
وأم نبهان والبنات واقفات ع الشبابيك وعم يبكوا.. وبلا طول سيرة، قرر الحاج صطيف إنه ما يتخلى عن إبنه مهما صار.
أم زاهر: هيك كويس. لأن بصراحة الأب هوي المسؤول عن كل شي صار لإبنه.
أبو الجود: الحاج صطيف كان شايل خمسمية ليرة منشان يصلح فيها حيط الدار المتشقق، حطها في جيبه، ولبس تياب الطلعة ومقابلة الحكام، ونزل ع الكروزة، وراح ع معرتمصرين.
وبما أنه ما بيعرف حدا في الشرطة، خطر له يروح لعند بكار. واللي صار إنه بكار ما كان بيعرف شي عن هالقصة، ولما عرف تضايق كتير، وع السريع، أخد أبو نبهان وراحوا لعند مدير الناحية، ولما كانوا ع الطريق حكى بكار كلام واضح مع الحاج صطيف. قال له: بدك الصراحة يا حاج صطيف؟ أنا استغربت الشي اللي حضرتك عملته. كانت أمور نبهان ماشية متل الصلاه ع النبي، وكلها كم يوم وراح ينزل ع الشغل، ويصير إله كيان وهيئة، جيت حضرتك عملت هالحركة وأخدته. شوف وين كنا ووين صرنا؟
الحاج صطيف: الله يلعن الشيطان صدقني تندمت. خيو المهم هلق نخلصه من هالمحنة، واللي بدك ياه بيصير.
بكار: اللي بدي ياه أنا؟ هلق إنته من كل عقلك بتظن أنا إلي مصلحة إنه يبقى عندي إبنك أو إبن غيرك؟ القصة وما فيها إنتوا كنتوا شالفين ولادكم في البراري وأنا لميتهم. طيب أنا بدي إسألك سؤال: لما عرفت من سنتين إنه إبنك صار عندي في الدار، ليش ما جيت زرتني وشربت عندي كاسة شاي وسألتني عن أحواله؟ ليش ما حاولت ترجعه لعندك؟ صدقني عم أحاول أفهم سر هالنخوة المفاجئة اللي صارت عندك وما عم إقدر. ممكن أنت تفهمني أشو اللي صار؟
الحاج صطيف: اللي صار إني أنا جنيت.
ضحك بكار وقال له: حلو. يعني منحسن نقول الجنون في عيلة البرغوتي وراثي. ع كل حال أنت أخونا الكبير وعمنا، ومتلما بدك إن شاء الله راح يصير.
الحاج صطيف: قولك الشرطة بيعطونا نبهان بعد اللي صار؟
بكار: مدير الناحية أبو عمر صديقي كتير، إذا الشغلة بإيده أكيد ما بيخجلنا. على كل حال هلق منشوف.
(للقصة تتمة)