ما شاء الله على الذكاء الوراثي
في إحدى سهرات "الإمتاع والمؤانسة" السابقة روى لنا الأستاذ كمال حكاية جميلة عن الفتى المشاغب المنحوس "سلمون". ملخصُها أن سلمون عبث بمدفأة الصف، فغضب معلم الصف فواز وشكاه للمدير. اقترح المدير عرض سلمون على لجنة تأديبية. اللجنة التأديبية التي شُكلت لهذه الغاية وجهت لسلمون سؤالاً بسيطاً، فأجاب عليه بشكل مضحك. ضحك أعضاء اللجنة وقال أحدهم:
- هالولد لازم يروح لعند شي مشعوذ أو فَتَّاح فال، ويجيب من عنده حجاب (رقية) يعلقه برقبته حتى ما ينصاب بالعين!
سلمون سمع هالكلام، وفجأة ترك اللجنة مجتمعة، ونطّ فوق السور، وركض إلى البيت. شاهده أبوه قادماً بسرعة فقال لنفسه:
- الله يجيرنا من جية سلمون عَ البيت رَكْض.
وسأله: ولاك سلمون أشو صاير معك؟ ليش عم تركض؟
سلمون: يابِ، اليوم كان في عندنا لجنة جاية من الشام. لجنة على مستوى عالي. وجمعونا نحن التلاميذ في الباحة، وسألونا سؤال، وقالوا إنه اللي بيجاوب عليه وبيكون جوابه صحيح بدنا نخليه ينجح صفين لقدام. يعني، يَبُو، أنا هلق في الصف التالت، إذا جاوبت صح بنط فرد نطة وبصير في الخامس!
أبو سلمون (مندهشاً ومسحوراً برواية ابنه): أي؟ وأشو هوي السؤال؟
سلمون: سألونا ليش الإنسان بيمشي لقدام وما بيمشي لورا؟ أنا رفعت إيدي، وجاوبته. قلت له يا أستاذ الإنسان بيمشي لقدام لأنه ما بيعرف يميز الصح من الغلط، لو كان بيميز كان بيمشي لورا أكيد. قال لي ليش؟ قلت له لأنه إذا الواحد مشي لقدام بينطرق جبينه بالحيط، وجبينه بينشق، وبياخدوه ع المستشفى حتى يخيطوا له، وبالصدفة بيلاقوا الدكتور المختص بخياطة الجبين عم يتغدى، وبيخلوه يستنى لحتى ينتهي الدكتور من الغدا، وهوي بيكون عم ينزف من جبينه، بتجي ممرضة وبيحن قلبها عليه، وبتفتح مرطبان البن وبتحطّ له على جبينه بنّ، منشان يوقف النزف، بعد شوي بيجي الدكتور لحتى يخيط له، ولما بيشوف البن بيزعل، وبيزعق عَ الممرضة، بيقلا (هيك ما بيصير، بلكي البن كان فيه جَرَاسيم؟) وبيطلب إحالة الممرضة على اللجنة التأديبية، وبتجتمع اللجنة التأديبية، والرجل بيكون لسه عم ينزف، وكل هادا الشي سببه إنه بيمشي لقدام، لو كان بيمشي لورا كان انطرق راسه من ورا، ومستحيل ينشق، لأن الراس لما بينطرق من ورا بتطلع له بعجورة.. وبس هيك.
أبو سلمون: الله لا يوفقك يا سلمون، كل هالعلاك قلته قدام اللجنة اللي جاية من الشام؟
سلمون: أي يابِ، وأعضاء اللجنة كتير انبسطوا من الجواب، حتى في واحد من اللجنة قال للمدير أبو فاروق (هادا التلميذ سلمون لازم تاخدوه عند المشعوذ فتاح الفال وتكتبوا له حجاب، وتعلقوا بالحجاب برقبته، منشان ما حدا يصيبه بالعين، لأنه ذكاه مو طبيعي! وقال كمان: إذا انصاب بالعين ممكن الله يقصف عمره وعمر اللي خلفه)! بتعرف يا يابِ أنا أشو جاوبته؟
أبو سلمون: أشو جاوبته؟
سلمون: قلت له يا أستاذ إذا ربنا سبحانه وتعالى قصف عمري مو مشكلة، لأني أنا لساتني زغير، أما أبوي بهالفترة عم يمر بظروف صعبة، عم يخطب جارتنا أم حمودة، وبده يتجوزها إذا وافقت، يعني المستقبل لسه قدامه.. وإذا تجوز بتصير خالتي أم حمودة بتحبل وبتبظّ ولاد، وأبوي بيصير عنده ولاد كتير، وكل واحد منهم أذكى من التاني، لأنه يا أستاذ الذكا في عيلتنا وراثي!
شعر أبو سلمون كما لو أنه كان يسبح في محيط كبير وجاءته موجات عاتيات ورحن يتقاذفنه، فما عاد يعرف شرقه من غربه.. فتح عينيه وأغمضهما وعركهما ثم قال لسلمون:
- الذكا عندنا وراثة؟ لكان إنته من وين جايب كل هالجحشنة؟ آخ يا إبني آخ. أنا بدعي لربي إنك تمشي لورا، وتوقع بشي مجرور، وإخلص أنا منك، والمدرسة كمان بتخلص منك. قل لي لأشوف، أيش المطلوب هلق؟
سلمون: المطلوب منك تروح معي لعند "الشيخ ندور" المشعوذ، وتخليه يكتب لي حجاب ضد الإصابة بالعين، لأن رئيس اللجنة أخد مني تعهد إنه إذا ما جبت الحجاب وعَلّقته برقبتي متل "الجنجل" ممنوع أدخل المدرسة، وإذا مر علي 15 يوم بدون حجاب راح إنفصل من المدرسة فصل نهائي!
عندما وصل الأستاذ كمال في سرد حكايته إلى هنا، ظهر على وجوه الساهرين وجوم مشوب بالسرور والبهجة. وقال أبو محمد إنه يوماً بعد يوم يزداد إعجاباً بالحكايات التي يسمعها خلال هذه السهرة. وطلب من كمال أن يتابع رواية حكايته، فقال كمال:
- سحب أبو سلمون ابنه العبقري سلمون وراحوا لعند المشعوذ "الشيخ ندور"، وقال له (الله يخليك يا معود، اكتب لنا حجاب لهالولد)، وكان من طبيعة المشعوذ إنه بيسأل صاحب العلاقة عن نوع الحجاب، لأن الحجابات أنواع، مثلاً حجاب لمَرَا متزوجة ما بيجيها ولاد، حجاب لمَرا زوجها ما بيحبها، أو بتغير عليه لأنه بيشتغل بالفن والفنانات بيحبوه، حجاب لولد مصروع.. هون هتف أبو سلمون.. (اي خاي ندور، اكتوب حجاب لولد مصروع).. لكن سلمون اعترض:
- طول بالك عمي أبو ندور، أنا صحيح مصروع بس ذكي، والأستاذ تبع اللجنة التأديبية قال لي إنه لازم أجيب حجاب للذكا..
الشيخ ندور: فهمت عليك. يعني بدك يكون الذكا تبعك أقل. صح؟
ضحك أبو سلمون وقال: لا دخيلك، إبني سلمون إذا بينقص ذكاه شوي بيصير جحش!
المهم إنه ندور جاب ورقة تخانة وشخط عليها شخطات ما إلها أي معنى، ولفها على شكل مثلث، وعلقها في رقبة سلمون.. وتاني يوم سحب أبو سلمون إبنه المسطول سلمون وراح ع المدرسة ودخلوا غرفة الإدارة وسلموا ع المدير.. وقال أبو سلمون: لا تواخذني يا أستاذ أبو فاروق.. هادا هوي الحجاب اللي إنتوا طالبينه من إبني منشان ما ينصاب بالعين!
الحقيقة إنه الأستاذ أبو فاروق إنسان لبق ومحترم.. ولما شاف هالمنظر داهمه الضحك، لكن استطاع يمسك نفسه، وقال لأبو سلمون:
- والله يا أخي أبو سلمون مشكلة إبنك أكبر من قصة الحجاب بكتير!