متى تكون المرأة... هي الجلاد؟!
الحياة ليست وردية كما نراها في عيون بعض الأشخاص، إنما هي حياة ملونة بدماء الضحايا من النساء، سواء كانت قاتلة أو مقتولة.. جانية أو مجنيا عليها..
وكون المرأة الطرف الأضعف دائما في الحياة الأسرية، سواء كانت أما أو زوجة أم ابنة، يمارس عليها العنف بكافة أشكاله وألوانه، والمبرر يبقى أنها كائن ضعيف لا حول لها ولا قوة، ولا يحق لها الرد أو الشكوى على فعل العنف الذي يُمارس ضدها.
شاهدنا في الفترات السابقة انتشار قضايا العنف ضد المرأة وعملية مواجهة تلك الأعمال ضدها، ولكن دون أي جدوى، فالجاني، أي الرجل، يبقى مُصراً على فعله ويبرر فعلته وكذلك القانون والمجتمع يبرران له ما يفعل.
الكثيرات من النساء في منطقتنا العربية يعانين من العنف، وإذا ما قامت هذه المرأة بالدفاع عن نفسها يتم تجريمها بدم بارد وتزج بالسجن دون أي رحمة.
خلال ذلك امتلأت قنواتنا الفضائية ببرامج المرأة، والتي أراها تعاني من عقم كبير في حل مشاكل وقضايا المرأة، ولكنها أصبحت برامج نسائية سطحية لا تجرؤ على اتخاذ موقف واحد لمواجهة العنف ضد المرأة، المُمَارس من رجالِ دولٍ متعددة ترفع شعار مناهضة العنف ضد المرأة وهي أول من يمارس العنف ضدها.
في الآونة الأخيرة شاهدنا كثيرا من أخبار العنف التي ركزت أغلبها على العنف ضد المرأة، وأطلقت الكثير من الحملات الإعلامية المحلية والدولية للحد من هذا العنف، ولكن على أرض الواقع لا جدوى من هذه الحملات إن لم تتخذ الحكومات موقفا صارما تجاهها.
ربما هذه الأعمال تكون بمثابة ناقوس يدق باب القانون.. وباب المجتمع، ليكون صارما وحازما في اتخاذ موقف واضح تجاه قضايا العنف ضد المرأة بشكل أكبر مما نراه الآن
أما الدراما فكان لها دور في إبراز هذا العنف وعدم المساواة بمجتمعاتنا بشكل واضح، حيث تناولت دراما المرأة عدة قضايا مختلفة للعنف ضد المرأة على حد سواء وباختلاف أدوارها الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة.
فالدراما المصرية مليئة بمثل هذه الأعمال والتي كان آخرها مسلسلا "إلا أنا" - "زي القمر". تناول هذان العملان قضايا المرأة في مصر وتم طرح تلك القضايا بشكل جريء ومختلف، ولكن على أرض الواقع ما زال الرجل يتمادى في عنفه غير آبهٍ، وكأنه مُرَفع عن المرأة وأنها كائن هزيل لا يستحق الحياة ويحاول طوال الوقت أن يدوس بقدميه عليها.
أما الدراما السورية واللبنانية فاتجهت لمعالجة قضايا العنف ضد المرأة بشكل مختلف.. قد يبدو مبررا للبعض وقد يبدو تسليطا للضوء على خطورة أن تكون المرأة سيفا على الرجل.
شاهدتُ منذ أيام عملين فنيين، سوري لبناني، عرضا قضايا العنف ضد المرأة.. ففي مسلسل "عنبر"، بطولة الفنانة السورية سلاف فواخرجي، شاهدت سجنا كبيرا في لبنان داخله الكثير من النساء من جنسيات مختلفة، بعضهن من الشخصيات الرئيسية المحورية داخل المسلسل، ارتكبن جرائمهن دفاعا إما عن أنفسهن، أو لم يرتكبن أي جريمة، ولكن إحداهن زجت نفسها في السجن بدلا من زوج مختل أو أخ صغير لا يهتم بشيء سوى المال، أو أخرى جرمت لحيازتها مخدرات وضعها في حقيبتها حبيبها، أو امرأة قتلت زوجها المقامر لتدافع عن نفسها وعن طفلها..
كلهن حالات يصفها القانون بالجنايات، ولسن مجنيا عليهن، لأن القانون وكما هو معروف لا روح ولا قلب لديه، فيحكم بناء على الأدلة والشهود ولكنه لا يضع نفسه في موقفهن ليتعرف إلى سبب هذا الجُرم الذي قامت به المرأة، ويحكم ويزجها بسجن كبير دون أن يستوعب هذا القانون خطيئة فعلته تجاههن.
في عمل درامي آخر وهو ما أثار فضولي لكتابة هذا المقال.. هي المرأة الجلاد التي وضعت نفسها سيفا حاكما على أخطاء الرجال بحق النساء..
شاهدت الفنانة السورية سلاف معمار في دور "ليلى" في مسلسل "عالحد"، التي اتخذت لنفسها وظيفة الجلاد لتنتقم من كل رجل يعنف امرأة أو يعتدي عليها، سواء جنسيا أو يدويا أو لفظيا، حيث قامت في البداية بقتل متحرش بالنساء في حارتها بضواحي لبنان عندما تهجم عليها، وهنا كانت تدافع عن نفسها وفي الوقت نفسه تنتقم لكل فتاة حاول هذا الفاسق أن يعتدي عليها، وحالة أخرى عندما قام رجل بالاعتداء الجنسي على فتاة قاصر، هي لاجئة سورية لا تملك أوراقا ثبوتية للدخول للبنان، فتجرأ عليها وقام باغتصابها لأنه يعرف بقرارة نفسه أنها لن تفعل شيئا كونها الطرف الأضعف في البلاد.. وهنا جاء دور "ليلى" لتنتقم للفتاة السورية الضعيفة وتقتله..، أما الحادثة الثالثة والتي وصلت فيها "ليلى" لحالة الجلاد واستمرارها بالانتقام فكانت عندما قام زوج أحد المترددات عليها بالصيدلية بالاعتداء بالضرب إلى الحد الذي أفقد هذه السيدة الضعيفة حياتها لتذهب "ليلى" لتجلد الزوج وتدهسه بالسيارة..
ومن هذا إلى ذاك، تمكن الانتقام منها، فكلما رأت امرأة تعنف من رجل قتلته حتى وإن كانت لا تعرفهما، مجرد أنه قام أمامها بالاعتداء على امرأة، وكأن الأقدار شاءت سوقه أمامها لتأخذ بثأر تلك المرأة، مرة تلو الأخرى، إلى أن يصل الانتقام هذه المرة لينال من عشيقها وزوج صديقتها عندما علمت باعتدائه عليها بالضرب..
شخصية ليلى المسالمة والتي تبغض العنف والكذب هي نفسها التي قتلت بسبب العنف والكذب قد تكون شخصية غير سوية لما مرت به بالمرة الأولى عندما اعتدى عليها مروان المتحرش ببنات حيها، ربما هي رأت حينها أنها "المخلص" وأصابتها حالة من الانتقام جرأتها على الاستمرار في القتل دون أن تشعر بخطورة ما تفعل على نفسها.. أو بعبارة هي الأقوى حين قالتها للمتحري "نسيم" بنهاية الحلقات الاثنتي عشر "الحياة قاسية والعدالة ما بتنطر حدا". بالفعل الحياة قاسية وصعبة وظالمة والقانون دائما يتأخر في عدالته، ولكن لسنا مع ليلى في حكمها وقانونها الذي اتخذته لجلد الجاني أيا كانت فعلته.
ربما هذه الأعمال تكون بمثابة ناقوس يدق باب القانون.. وباب المجتمع، ليكون صارما وحازما في اتخاذ موقف واضح تجاه قضايا العنف ضد المرأة بشكل أكبر مما نراه الآن.