مقتطفات من حوار مفقود مع فهمي هويدي (2/3)
ـ أستاذ فهمي هويدي، دعنا نتحدث عن أحدث المعارك التي أثارتها مقالاتك، وبالتحديد المقالة المحظورة من النشر في (الأهرام) والتي انتقدت فيها موقف السفير المصري في بلغراد والذي أقام أسبوعا ثقافيا مصريا في العاصمة الصربية، ما الذي كنت تريد أن تقوله بالضبط في مقالك الذي لم يقرأه القارئ المصري، ومع ذلك فقد تسبب في هجوم شرس شنته عليك مجلة (روز اليوسف)؟
أنا لا زلت مندهشاً حتى الآن ولا أدري ما هو سر هذا الهجوم، في وقت من الأوقات كان هناك خلاف بيني وبين مجلة (روز اليوسف)، لكنه كان خلافا سياسيا وفكريا أقبله وأحترمه، لكن هذه المرة هناك حسابات ربما، أو هناك رغبة في الإثارة ربما، لأن ما تم نشره في المجلة يخالف حقيقة ما قلته تماما، فقد كتبت مقالي المحظور وعنوانه (إما اعتدلت وإما اعتزلت) عندما قرأت في صحيفة (الأهرام) تقريرين كتبهما الأستاذ أحمد نافع أحدهما يتكلم عن الأسبوع الثقافي المصري المقام في بلغراد وروعته وفعاليات هذا الأسبوع بدءا من كلمة السفير إلى أداء فنانة الكونسرفتوار ويتحدث عن أجواء فيها قدر من الحميمية الشديدة، وفي نفس الصفحة صورة لجثث مسلمي كوسوفا ممددة داخل مسجد، وأدهشتني هذه المفارقة، خاصة أنهم كانوا يعرضون فيلم المصير وبالمناسبة الصرب لديهم قناعة أن الإسلام مرادف للإرهاب، والفيلم يكرس لهذه الصورة، وهذه مفارقة أخرى.
(أفتح قوساً هنا لأقول إنني اختلفت مع الأستاذ فهمي في هذه النقطة، مع أنني كنت من أشد منتقدي فيلم (المصير) وقد كتبت عنه مقالة لاذعة في صحيفة (الدستور) لكنها كانت مقالة تختلف مع جوانبه الفنية ولا تتهمه بما ذهب إليه الأستاذ فهمي، لكن ظروف المساحة دفعت سكرتارية التحرير لاختصار ردي لإفساح المجال لكلامه، وكنت أتمنى أن يتم تسجيل اعتراضي على ما قاله لكن ذلك لم يحدث مع الأسف، ولذلك حرصت على إثباته هنا).
أضاف الأستاذ فهمي هويدي قائلاً:
الشيء الآخر أن الأستاذ أحمد نافع نقل على لسان السفير المصري عدة تصريحات تتحدث عن عدة أمور، منها أن كوسوفا ليس لها حق في الاستقلال وأن الحرب التي خاضتها صربيا هناك كانت دفاعا عن الدولة الكبرى وأنها كانت متبادلة بين أطراف ثلاثة هي البوسنيون والصرب والكروات، ووجدت أن هناك مغالطات كثيرة في هذا الكلام، أولاً أعتقد أنه لا يليق بسفير ولو كان هذا رأيه الحقيقي أن يصادر على طموحات مسلمي كوسوفا، عليه أن يعرف الحقائق جيدا، ليس صحيحا أن صربيا الكبرى حق مشروع للصرب، لأنه في الحقيقة وحشية اسمها صربيا الكبرى تقوم على جثث المسلمين، أما الحرب المتبادلة فهذه مساواة بين القاتل والمقتول. ليس مطلوبا من السفير المصري إعلان مواقف بطولية لمصلحة المسلمين أو حتى لمصلحة الصرب، هو كان سيخدم القضية المصرية أكثر لو التزم الصمت شأنه شأن أي سفير آخر، باختصار لقد أنصب كلامي كله على أن السفير افتقد تماما الملاءمة واللياقة في توقيت إقامة الأسبوع وكذلك في تصريحات السفير.
ـ أستاذ فهمي، عندما هاجمتك مجلة (روز اليوسف) وجهت لك اتهاما بأنك قلت إن وزارة الثقافة أرسلت عازفات للترفيه عن جنود الصرب؟
الحقيقة أن مستوى الحوار لدينا هابط جدا للأسف، ولا أعرف في الوطن العربي أناسا يتشاتمون بهذه الطريقة، ربما كان هناك مثل هذه الحالة في الجزائر، ولكن كان هناك قنوات لدى الجميع للتعبير عن وجهات نظرهم
للأسف تجاهلوا حقيقة ما قلت، مع أن موقف الخارجية المصرية وتصريحات الرئيس مبارك كانت أفضل بكثير من موقف السفير، وقد كتبت هذا في المقال المحظور، وقلت إنه من الغريب أن يناقض موقف السفير موقف الدولة، أنا اعتبرت هذا مهينا لمصر كدولة مسلمة كبرى، وهو ما حدث عندما جاءني عدد من الطلبة المسلمين من كوسوفا ويدرسون في مصر يبكون لأن هذا يحدث من مصر، أنا ليس عندي معركة مع وزير الثقافة فاروق حسني ولا العازفة التي شاركت في الاحتفالية كما قالوا، لم يتحدث الهجوم الذي تعرضت له عن هذه النقطة بدقة، واحتجوا بأن الإيرانيين عملوا أسبوعا ثقافيا في صربيا وكأن هذا يبرر. الحقيقة أنني لم أتحدث في مقالي عن هذه النقطة لأنني لم أعلم بحدوثها، ولو لم يكتب أحمد نافع لما عرفنا أي شيء عن الأمر، ولو كنت أعلم لاعتبرت هذا خيبة أخرى، الغريب أنهم وضعوا على الغلاف عبارة "وزير الثقافة يفضح أكاذيب فهمي هويدي"، وعندما سألت وزير الثقافة قال لي: أنا والله لا فضحت ولا حد كلمني عن الأكاذيب، سألوني فقط هل أرسلتم عازفات للترفيه عن جنود الصرب، فقلت لهم: لا، وبالمناسبة أنا لم أقل كما نسبوا إلي في روز اليوسف إن هذا حدث أصلا وهذه مصيبة أخرى.
لقد قالوا في (روز اليوسف) في أول مرة إن الذي يقرأ مقالتي يخيل إليه أنني قلت إن مصر أرسلت عازفات للترويج عن جنود الصرب، وفي المقال الثاني قفزوا إلى ما هو أبعد ووضعوا بين قوسين إن فهمي هويدي يقول إن مصر أرسلت، هكذا جعلوا من تخيلهم حقيقة منسوبة إلي. هذه جرأة على الحقيقة واحتقار للقارئ، دعك من احتقار المهنة، والظريف أن المجلة تفتخر بأنها تنفرد بهذه الحقيقة، بينما هي في الواقع انفردت بالأكذوبة التي صنعتها.
ـ هم يقولون بالنص إنك تعيش في ركام من الأكاذيب والأوهام، ده كلام يا أستاذ فهمي، كيف تعيش في تلال من الأكاذيب؟
(ضاحكا) الغريب أن المعلومات التي اعتمدت عليها نشرت في صحيفة قومية كبرى هي (الأهرام) وكتبها كاتب كبير، يعني أنا لم أضف معلومات جديدة بل كتبت تعليقا على ما نُشِر، ثم إنهم لم يسجلوا أكذوبة واحدة قلتها، المفروض عندما يقول أحد كلاما مثل هذا أن ينشر بعدها على الأقل عشر أكاذيب قلتها، ويقوم بفضحها، لكن العكس، تلال الأكاذيب هم الذين عملوها كما أوضحت.
ـ أيضا أنت متهم بدغدغة غرائز القارئ وإثارة مشاعره بوصفة سحرية أنت الذي اخترعتها طبقاً لما جاء في (روز اليوسف)؟
هذا نوع من ابتذال اللغة واحتقار القارئ، وكنت أتمنى أن ينشروا نص ما قلته، بدلا من هذا الكلام المجاني الذي لا يحمل الكاتب أي مسئولية. هم أساؤوا طبعا في استخدام ما كتبوه بأكثر مما تذكره أنت، يعني وصفوني بسيئ النية، مع أني قلت إن مصر بلد محترم لا يصح أن يفعل سفيره هذا التصرف غير الملائم للتوقيت والموقف. ما قالوه هو هروب من الموضوع الأساسي لعدم مناقشة الشقين الذين قام عليهما حديثي، وفي هذه الحالة سوء النية موجود لديهم هم، والذي دغدغ غرائز القارئ لإثارته هم ولست أنا، يعني مثلا أن أحد منهم سأل وزارة الخارجية بل سألوا طرفا لا علاقة له بالأمر هو ووزارة الثقافة، وانتهزوا فرصة عدم نشر ما كتبته في صحيفة قومية واسعة الانتشار، الأغرب من هذا أن يتم الرد عليّ في الأهرام نفسها بينما مقالي لم ينشر أصلا. للأسف هذا ليس حوارا موضوعيا ولا شريفا.
الحقيقة أن مستوى الحوار لدينا هابط جدا للأسف، ولا أعرف في الوطن العربي أناسا يتشاتمون بهذه الطريقة، ربما كان هناك مثل هذه الحالة في الجزائر، ولكن كان هناك قنوات لدى الجميع للتعبير عن وجهات نظرهم، بالعكس ما هو موجود لدينا، وأعتقد أن التشاتم بهذه الطريقة توقف في الجزائر مؤخرا، بينما في بلدنا هناك أزمة حوار حقيقية، فالأصول تقول إنه ليس من الشهامة والتقاليد أن تهاجم أحدا دون أن تعطيه فرصة للرد، بل وتقوم بتأويل كلامه وتزييفه، هذا يعكس أزمة في مهنة الصحافة وعدم احترام للحقيقة والقارئ وأدب الحوار. كل هذا تم إهداره.
ـ في رأيك، أليس غريبا أن تتسع الديمقراطية الصحفية لمهاجمة وزير الخارجية في صحيفة قومية كبرى وتضيق عن مهاجمة سفير في صحيفة قومية أخرى؟
والله أنا قلت لنفسي هذا الكلام واستغربت، خاصة أن صحيفة (أخبار اليوم) هاجمت وزير الخارجية بشخصه، وتم السماح بنشر الكلام، بينما أنا انتقدت موقف السفير ولم أتطرق لشخصه، بل قلت إنني أحترمه وأقدره كشخص، لكني أختلف مع موقفه، وعندما نشرت صحيفة (الشعب) مقالي المحظور في (الأهرام) نقلا عن الصحف العربية التي نشرته، وقعت (الشعب) في خطأ في خاتمة المقال عندما كتبت آخر جملة هكذا "ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا"، مع أن ما كتبته هو "ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفراء منا"، وقد طلبت منهم التصحيح فورا. على أي حال في الحقيقة لا زلت مندهشا، كيف يسمح بنشر انتقادات لكبار المسئولين في الصحف القومية ويُمنع نشر مقال ينتقد سفيرا، بل إن الصحافة نشرت أن مواطنا انتقد كبار مسئولي الدولة وتم الإفراج عنه بعد القبض عليه، بينما لا يفرجون عن مقالاتي (يضحك) لا أدري هل هذا السفير بالتحديد فوق النقد.
ـ من التهم الأثيرة التي توجه لك من قبل خصومك، واستخدمتها (روز اليوسف) هذه المرة مجددا هي أنك صديق إيران والمدافع الأول عن المصالح الإيرانية، مع أن كتابا آخرين ربما على رأسهم الأستاذ هيكل يكتبون دائما عن إيران ولا يوجه لهم الاتهام نفسه؟
بالعكس، ده حتى الأستاذ هيكل متحمس لإيران أكثر مني، عموما هذا الكلام من التهم المجانية التي تطلق في حالة الإفلاس، هناك ناس تعودت أن تكون بتاع حد دائما أو تكون عميلا لأحد، ويتعذر عليهم فهم وجود أحد يحترم نفسه والآخرين ولا يتقلب مع الهوس السياسي ويحاول فهم الأمور بموضوعية، لديهم إما أن تكون عدوا أو عميلا وهذه صيغة لا توجد في مناخ محترم، أنا لست عدوا لأحد ولهذا يصنفوني أنني أعمل لحساب مش عارف مين، وبعض الذين اتهموني بهذا أطلقوا هذه التهم عندما كان هناك حالة من العداء مع إيران، الآن مع وجود حالة تقارب هم يطلبون السفر لإيران ويتصلون بمسئوليها، هذه عقليات صعب عليها أن تتعامل موضوعيا مع أي دولة سواء كانت إيران أو ليبيا أو سوريا أو غيرها، وهم ينطلقون دائما استجابة للهوى السياسي والريح السياسية، ثم لماذا يطلقون لأنفسهم حرية التقرب لإسرائيل والغرب والدفاع عن مصالحهم، ويستكثرون أن يحترم أحد التجربة الإيرانية. بالمناسبة لك أن تعرف أن كتابي (إيران من الداخل) الذي يعتبره هؤلاء دعاية لإيران تم منعه في إيران وقت صدوره، يعني الأمر ليس سوى إفلاس منهم ومحاولة لإلقاء تهم مجانية بائسة.
...
نختم غداً بإذن الله.