منظمة التحرير بحاجة لتحرير
جاء تأجيل اجتماع الفصائل بالقاهرة أو إلغاؤه -وهو التوصيف الأدق- ليؤكد على حقيقة أن اللحظة الراهنة لا تحتاج لإنهاء الانقسام، فهذا الانقسام الذي لم ينته خلال 15 عاما لن ينتهي في 15 يوما أو خلال شهر، فهو ليس خلافا في وجهات النظر، وإنما هو انقسام أفقي وعمودي بين برنامجين مختلفين، مقاربتين متناقضتين. وهي معادلة معقدة جدا، بددت مقدرات وتطلعات الشعب الفلسطيني وأنهكت قواه. انقسام فشلت كل الجهود وجولات الحوار في معالجته حتى الآن، باختصار لأن مدخل كل تلك الجهود كان خاطئا.
المدخل الصحيح لإصلاح النظام السياسي الفلسطيني يكمن في التوقف عن التغييب القسري للشعب الفلسطيني، فكيف تصلح البيت الفلسطيني فيما تُغَيِّب ساكنيه؟ المدخل الصحيح يكون عبر إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، البيت الجامع للشعب الفلسطيني، وإجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، والذي هو الهيئة التمثيلية والتشريعية العليا للشعب الفلسطيني بأسره داخل فلسطين وخارجها، أي أنه يمثل كل الفلسطينيين في كافة أماكن وجودهم في المناطق المحتلة عام 1948 و1967، وفلسطينيي الشتات.
إن عنوان المرحلة بتقديري ينبغي أن يكون استعادة منظمة التحرير، وتحريرها من سطوة السلطة واختطافها لها، وتحريرها وتحرير الشعب الفلسطيني من أوسلو
لقد انطلقت حملة وطنية بالغة الأهمية، نهاية مايو/ أيار، وفي الذكرى السابعة والخمسين لتأسيس المنظمة، تلك الحملة تقول باختصار إن المدخل الصحيح لإصلاح النظام السياسي الفلسطيني يتم في إعادة بناء منظمة التحرير، وإجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، وحددت أهدافها بـ3:
أولا: إعادة بناء المنظمة من خلال انتخابات مجلس وطني فلسطيني.
ثانيا: فرز قيادة جديدة.
ثالثا: العمل على تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني المبني على الثوابت الوطنية.
وتنص المادة (7) من القانون الأساسي لمنظمة التحرير على أن "المجلس الوطني هو السلطة العليا لمنظمة التحرير وهو الذي يضع سياسات المنظمة ومخططاتها وبرامجها"، وذلك يعني أن المجلس الوطني هو السلطة العليا المسؤولة عن تقييم أداء المنظمة واللجنة التنفيذية ومساعيها لتحقيق أهداف الميثاق الوطني، وبالتالي فإن المجلس الوطني المنتخب هو سيد نفسه، وهو الذي سينتخب القيادة الفلسطينية، وهو الذي سيحدد المشروع الوطني الفلسطيني، وهو الذي سيحدد دور ووظيفة ومستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية.
إن الانتخابات التي يقررها ويلغيها رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال، والانتخابات التي تُجرى تحت الاحتلال، لن تكون قادرة على صياغة برنامج تحرر وطني، فلا حرية تحت الاحتلال. هذا المعطى إضافة لجملة البراهين الأخرى التي سقناها، تؤكد على أن أي انتخابات تسبق انتخابات المجلس الوطني هي انتخابات لا يعول عليها، فإسرائيل لن تسمح بانتخابات لا تروق لها نتائجها، كما أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لن يسمح بإجراء انتخابات لا يفوز هو فيها، وثالثها، أن الخلاف على أجندة الحوار الوطني الفلسطيني ثم تأجيله أو إلغاءه يعني أن لا نية لدى قيادة السلطة وحركة فتح في إنهاء الانقسام، وبالضرورة لا توجد عندها كذلك نية أو رغبة أو حتى تفكير في إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية.
إن عنوان المرحلة بتقديري ينبغي أن يكون استعادة منظمة التحرير، وتحريرها من سطوة السلطة واختطافها لها، وتحريرها وتحرير الشعب الفلسطيني من أوسلو، وتحرير حركة فتح من بعض من اختطفوها واختطفوا تاريخها الثوري، وتحرير حركة حماس من بعض من يريد اختزال مشروعها التحرري في غزة. هذه هي المهمة الوطنية المطلوبة، بعيدا عن متاهات ما يسمى "إنهاء الانقسام"، أو حكومة أو حكومات الوحدة. هذه هي الوصفة الوطنية التي من شأنها استعادة الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني، وهي الوصفة الوحيدة التي تليق بهبة القدس في حي الشيخ جراح وسيفها في غزة، وهي التي تليق بهبة فلسطينيي الداخل وشهدائهم وانتفاضتهم، وغير ذلك لن يكون غير مزيد من الدوران والمراوحة في المكان ذاته.