نصائح للأدباء المقبلين على الموت
كثيرة هي النصائح والخطط التي صادفتك خلال مشوارك الأدبي البائس؛ "كيف تكتب رواية في 10 أيام؟"، أو "كيف تربح جائزة عالمية؟"، أو "كيف تكتب الشعر دون معلم؟"، أو "كيف تنشر ديوانك الأول؟"، و"كيف تقنع دار النشر بعملك؟"... ولكن لم يخطر ببالك أنّ من بين الناصحين سيكون هناك من يقدّم لك خطّة للاستعداد للموت!
هذه النصائح لن تجدها في أيّ مكان آخر، هي جديدة وغير مسبوقة، وعليك أن تدرك أهميتها منذ الآن، حتى لا تعضّ أطراف كفنك ندامة بعد موتك.
(1): امنع الآخرين من التفاعل مع منشوراتك
قبل أن تلفظ أنفاسك الأخيرة، حاول بطريقة ما أن تفعل ذلك، أن تغلق حسابك على "فيسبوك" أو "تويتر"، أو أن تحذف كلّ ما عليهما. لماذا؟ لأنّك ستصبح مشهوراً جداً. وما الضير في ذلك؟ يا أحمق ما حاجتك للشهرة بعد موتك؟ ثم هل تظنّ أنّها ستكون شهرة الأدباء الكبار الذين خلّد التاريخ أسماءهم؟ لا يا حبيبي. شهرة هذا العصر، هي شهرة محدودة لبضعة أيام، ثم ستعود كما كنت.. منسياً.
المقالات والقصص والقصائد التي كنت تشاركها على حساباتك وتحصل بعد ثلاثة أيام على 30 لايكاً وقلباً أحمر من صاحب الصحيفة، ستقفز بقدرة قادر إلى ألف لايك. رقم لم تحلم به يوماً، ولكنه ما عاد مفيداً الآن، كنت بحاجته عندما قال لك رئيس التحرير: "نعتذر منك يا أستاذ، ولكننا لن ندفع لك بعد الآن، فكتاباتك لا تحظى بعدد قراءات جيّد".
(2): أوقف خاصة السماح للآخرين بالنشر على يومياتك في "فيسبوك"
في اللحظة التي سيُعلن فيها نبأ وفاتك، سيصاب حسابك على "فيسبوك" بالجنون، عشرات المنشورات ستتدافع عليه. بكائيات مطوّلة من أناس لا تعرفهم، ولم تسمع بهم يوماً، كلّهم يتفجعون ويعاتبونك على رحيلك المبكّر دون أن تبلغهم، وأنت الذي راسلت نصفهم ولم يردّوا عليك، أمّا نصفهم الآخر، فأنت لا تعرفهم أصلاً وهم لا يعرفونك. ومع تحوّلك إلى ترند سيزداد العدد إلى مئات، وربما آلاف.
شهرة هذا العصر هي شهرة محدودة لبضعة أيام، ثم ستعود كما كنت.. منسياً
في الدقائق الأولى لوفاتك ستجد على حسابك رئيس تحرير الموقع الذي اعتذر منك سابقاً، وقد شارك مقالاتك مجدّداً في محاولة لركوب الترند، ركوبك يعني، وكتب "بكّرت كثيراً" و"كيف تركتنا وقد كنّا على وعد باللقاء؟"، الوغد.. منذ 6 أشهر، وأنت تطالبه بمستحقاتك، وهو يقول لك "مشغول" و"ربّما لاحقاً". وربّما، سيسبقه صاحب دار النشر الذي أكل عليك مستحقات آخر كتابين لأنّهما "لم يبيعا شيئاً"، سيشارك هو الآخر منشورات إصدار كتبك، باكياً عليك ومعلناً توفر جميع إصداراتك في داره، وعارضاً حسماً مجزياً بهذه المناسبة الأليمة. أمّا نصف الصحافي، الذي لم يكن يعرف تخصّصك، وتحدّث معك بوقاحة واستعلاء، وأرسل لك 10 أسئلة، كان من بينها "اشرح ما تقصده بعملك الأخير بما لا يتجاوز 150 كلمة"، ثمّ جمع كلّ إجاباتك ونشرها دون أن يضيف كلمة من رأسه الفارغ، فسينشر على حسابك رابط مادته مجدّداً مع بعض التفجّع والعويل، في محاولة أخرى لركوب ترند وفاتك، رغبة في الحصول على مزيد من القراءات، وستسأل نفسك قبل أن يبرد جسدك: "الملاعين.. كيف يجدون الوقت الكافي في لحظات الفجيعة الأولى للعثور على كلّ تلك الروابط؟". لذلك يا عزيزي، أوقف هذه الخاصية اللعينة واجعلهم يندبونك على حساباتهم التي لا تتابعها سوى زوجاتهم لترصد حصولهم على أيّ "لايك" مشكوك بأمره.
ستصلك "تاغات" على آلاف التعليقات والمنشورات، كلّها من أحبّة لا تعرفهم، سيكون جوابك عليها "ما أكذبكم"، عدا تاغ واحد ستضعه كاتبة أرسلت لك كتابها لتأخذ رأيك ولم تردّ عليها خوفاً من جرح مشاعرها، هذه ستضع لك تاغاً في تعليق بعد إعلان وفاتك بأربع دقائق، وتقول: "@اسمك هل هذا حقيقي؟"، للأسف لن تتمكن حينها من الإجابة على سؤالها، ولكنك ستضحك مطوّلاً.
(3): توّقف عن التقاط الصور مع كلّ من هبّ ودبّ
هل تذكر كلّ أولئك الذين طلبوا صورة معك خلال حياتك، ثمّ لم ترهم ينشرونها في أيّ مكان؟ ستراها الآن. كلّ تلك الصور التي تصوّرتها في حياتك ستراها منشورة على "فيسبوك" و"تويتر" وغيره مع ذكريات، وعلاقات، وأحاديث، ووعود لم تقلها، ولا تتذكرها، ولا تعرف أصحابها أصلاً. وتلك الصبية التي طلبت منك صورة في المقهى بعدما أخطأت بين اسمك واسم فنان شعبي؛ ستصبح خازنة أسرارك. وستكتب على حسابك: "كيف رحلت وقد وعدتني أن يتفتّح الربيع على شفتي!"، والشاب الذي حمل كتابك في معرض الكتب، وتصوّر معك قبل أن يعيد الكتاب إلى مكانه ويمضي إلى شأنه، سينشر الصورة مع عبارة "قسماً سنكمل الدرب من بعدك".
الأديب الذي سرق فكرة روايتك وحصل على جائزة أدبية، وأرسلت له سيلاً من الشتائم، سينشر رسالة بعد العبث بها، وقد باتت تحمل إعجابك بعمله وثناءك عليه
سترى عشرات الصور لكتبك ينشرها أولئك الذي شلّحوك نسخة على حسابك دون أن يدفعوا فلساً واحداً، وسترى مئات صور الأغلفة لأعمالك وقد أُخذت من الإنترنت، ونشرها كلّ أولئك الذين راسلوك على الخاص، قائلين: "ممكن PDF؟".
(4): المحادثات.. المحادثات.. المحادثات
توّقف عن الردّ على رسائل الآخرين في "واتساب" و"ماسنجر" و"سكايب" وغيرها كتابة، اتصل اتصالاً فقط. لأنّه بعد موتك، وقبل أن تُنشر صحيفة أعمالك، سينشرون كلّ محادثاتك على الملأ، في محاولة للتأكيد على علاقتهم القوية بالراحل الكبير، كلّ كلمة قلتها، كلّ شتيمة، كلّ نكتة بذيئة، كلّ انتقاد لزميل... كلّ ذلك سيُنشر، ولن يقف الأمر عند ذلك، بل سيقطّعون محادثاتك ويقدّمون ويؤخرون، وحينها ستجد نفسك تقول ما لم تقله، ولم يخطر لك على بال. والأديب الذي سرق فكرة روايتك وحصل على جائزة أدبية، وأرسلت له سيلاً من الشتائم، سينشر رسالة بعد العبث بها، وقد باتت تحمل إعجابك بعمله وثناءك عليه!
(5): اكتب وصية بحرق جثمانك
وصلنا إلى النصيحة الأخيرة، وأعلم أنّها ستكون ثقيلة عليك، ولكن، صدقني، لا مفرّ منها. قبل موتك اطلب ألّا تدفن، اطلب أن يحرقوا جثمانك! الأمر مخيف نعم، ولكن بالله عليك... ما يضرّ الأديب بعد ذبحه؟ هل تعلم أيّ فرصة ستفوّتها على هؤلاء لو أحرقت جسدك؟ هل تعلم كم منافقاً ستحرمه من بثّ اللايف من جنازتك؟ أولئك الذين سيتبارون في ما بينهم في عدد المشاهدات الأكثر، واللايكات الأكثر، والفيديو الأجمل، والكلوز الأقرب لمثواك الأخير.. لن يتذكرك أحد وسط كلّ هذه الهمروجة، بل سيكون الشغل الشاغل: ماذا لبس فلان؟ وكيف ظهرت فلانة بدون مكياج؟ وموبايل آيفون 15 الذي صوّر به فلان جنازتك؟ وكيف كان الفيديو الذي صوّره فلان بموبايله الإس 23 ألترا أقرب وأوضح؟... أوقف ذلك كلّه واحترق يا ابن الحلال.
أعلم أنك سترمي هذه النصائح وراء ظهرك، ولن تأخذها بالاعتبار، ولكن ضع الأمر في حساباتك، ومع الوفاةِ القادمة لأديبٍ جديد، راقب، وانتبه، ولاحظ.. حينها سترجع إليها مهرولاً، وستطبّقها دون تردّد، بما فيها تلك الأخيرة التي أخافتك.
كلّ ما أرجوه ألا يكون ذلك الأديب هو أنت!