نظام الأسد.. عار على التاريخ
لعل وصف المفلس هو أدق ما نصف به نظام الأسد اليوم، بعد ثلاثة عشر عاماً من عمر الثورة السورية، والذي كلّما نزل درجة إلى القاع ازداد شراسةً ووقاحةً في جباية الأموال والمكوس التي بات يتفنّن في فرضها على الناس.
وهكذا بتنا نمسي ونصبّح على حزمة من القوانين والقرارات والمراسيم التي تدور جميعها في فلك التكسّب من المواطن وسلبه رزقه، والتي بدأت مع القانون 10 لعام 2018 القاضي بمنح أموال المهجّرين كمكافأة للمقرّبين والموالين للنظام. ورغم أنّه سبقت هذه الخطوة خطوات كثيرة في هذا الصدد، مثل القانون 66 لعام 2012 تحت ذريعة التنظيم وهندسة المساكن، فإنّ هذا القانون كان الأكثر فجاجة في وقته. وبعده تعاقب هذا السلوك تصاعدياً حتى أصبح فلسفة لدى النظام ومؤسساته.
انحدار اقتصادي سياسي أخلاقي
قبل شهر ونصف، صوّت مجلس الشعب السوري على قانون يبيح بموجبه الاستيلاء على الأموال المنقولة وغير المنقولة للسوريين المعارضين لنظام الأسد. وهم في عرف نظام البعث كلّ من هاجر، حتى ولو لم يكن معارضاً. وبهذا الحال، فإنّ أكثر من نصف السوريين ينطبق عليهم هذا القانون الذي يهدر أموالهم وممتلكاتهم.
وحتى من بقي يعيش في مناطق سيطرة الأسد لم يسلم، حيث تحوّلت معظم المخالفات، ومنها الجنائية، إلى وسيلة للتكسّب. فبدل أن يعاقَب معمل مخالف للمواصفات بالإغلاق وإلغاء الترخيص مثلًا، تحوّلت العقوبة إلى غرامة مالية، ولم تسلم دائرة التعليم من هذا النهج، حيث فرض القانون 42 لعام 2023 غرامة مالية تصل إلى 5 ملايين ليرة سورية على كلّ من يتورط في عمليات الغش الامتحاني من السلك التعليمي التابع لوزارة التربية.
في كلّ ميدان، وكلّ زاوية من هذا الوطن البائس، أصبح التشبيح والتشليح عنوانا
وفي كلّ ميدان، وكلّ زاوية من هذا الوطن البائس، أصبح التشبيح والتشليح عنوانًا. الحواجز في الطرقات، الدوائر الحكومية، المعاملات، القضاء، الشرطة، الجمارك والبوابات الحدودية، بل الحدود نفسها، أصبحت تعتاش على المكوس، ما يعني أنّنا أمام شبه انهيار للدولة السورية العاجزة عن تقديم أدنى الخدمات الأساسية للمواطن.
النجاة بالفرار من هذا البلد
بات الهروب والسفر خارج هذا الجحيم حلماً يراود معظم السوريين اليوم، فالازدحام على دوائر الهجرة والجوازات بات في كلّ محافظة سورية، ولك أن تلحظ كيف جيّر النظام هذا لمصلحته، فأصبح الجواز السوري الأغلى عالمياً.
إنّ الإفلاس التام هو حقيقة نظام الأسد اليوم، فهو مفلس سياسياً. لا أحد يزوره أو يحترمه، وإن تعاملت معه بعض الدول، فإنه من باب الأمر الواقع، ولانعدام البديل. وهو أيضًا مفلس أخلاقياً إلى درجة الوقاحة والسادية، فبعدما قتل وهجر ودمر البلاد والعباد، يأتي اليوم ليسلب من تبقى أموالهم بذرائع شتى، ولا يرى غضاضة أن تدكه الطائرات الإسرائيلية، ليل نهار، في خضم مأساة غزّة، ليرد في اليوم التالي بقصف إدلب!
كما لا يمر أسبوع إلا وتُضبط عمليات تهريب مخدرات مصدرها نظام الأسد، وكأنّ السماء تمطر كبتاغون والأرض تتفجر مخدرات، دون أن يبالي الأسد بالعقوبات الأميركية، فهو يعلم أنّه ورقة قد احترقت، ولا سبيل لإصلاحه وتأهيله، لأنّ جرائمه وحدها كفيلة بإسقاطه، ولولا وهن وتفرّق المعارضة السورية، لما بقي إلى يومنا هذا.