نكبة فلسطين: النزوح والصمت العربي والدولي
هل تكمنُ نكبتنا في نزوحنا أم في الصمتِ والخذلان العربيين؟
الواقع أنّ النكبة تكمن في كليهما معاً. فالنزوح هو الجرح الذي نزف منه الشعب الفلسطيني وما زال ينزف، بينما الصمت والخذلان العربي والدولي هما الملح الذي يزيد من عمق هذا الجرح. إنّ إنهاء المعاناة الفلسطينية يتطلّب مواجهة هذين البعدين معاً: دعم الفلسطينيين في صمودهم على أرضهم، وكسر حاجز الصمت والتخاذل من قبل الدول العربية والمجتمع الدولي.
تمرّ ذكرى النكبة الفلسطينية على الشعبِ الفلسطيني محمّلةً بالذكريات الأليمة والمشاهد التي لا تُمحى من ذاكرته الجماعية، ويصحبها اليوم مأساة غزّة المستمرة، والتي نبشت جرحًا قديمًا لم يلتئم بمشاهدِ المجازر المستمرة والنزوح القسري لسكان القطاع من شماله إلى جنوبه. النكبة ليست مجرّد حدث تاريخي وقع في عام 1948، بل هي جرح مفتوح ما زال ينزف حتى يومنا هذا، ويتمثّل في نزوحِ ملايين الفلسطينيين من ديارهم، وتشتّت عائلاتهم، وضياع حقوقهم. ومع ذلك، فإنّ الأبعاد الأخرى لهذه المأساة لا تقلّ خطورةَ، وهي الصمت والخذلان الذي لاقاه الشعب الفلسطيني من قبل الدول العربية والمجتمع الدولي.
بدأت النكبة الفلسطينية في عام 1948 عندما أُجبر ما يزيد عن 700,000 فلسطيني على مغادرةِ منازلهم وقراهم، نتيجةً لعمليات التهجير القسري التي مارستها العصابات الصهيونية. هذه المأساة لم تكن مجرّد انتقال جغرافي، بل كانت محنةً إنسانيةً عميقةً تسبّبت في تشتّت العائلات وفقدان الهُويّة والممتلكات. والنزوح كان بداية سلسلة من المآسي التي عانى منها الفلسطينيون، وما زالوا يعانون منها حتى اليوم، حيث يعيش الملايين منهم لاجئين في بلدانٍ مختلفة، محرومين من حقوقهم الأساسية. ومع الإبادة المستمرة في قطاع غزّة يواجه اليوم ما يزيد عن مليون ونصف مليون لاجئ مصيرًا ليس بالمجهول، ولكنه معلوم مخيف، ولا يُواجه إلّا بالصبر.
على مرّ العقود، لم تتخذ خطوات جادة وحاسمة لدعمِ حقوق الشعب الفلسطيني وإعادة حقوقه المسلوبة
إلى جانبِ المعاناة التي سبّبها النزوح والمجازر اليومية والحصار الخانق والمجاعة المستشرية في شمال القطاع، كان الصمتُ والخذلان من قبل الدول العربية والمجتمع الدولي عاملين أساسيين في تعميق الجرح الفلسطيني. وعلى مرّ العقود، لم تتخذ خطوات جادة وحاسمة لدعمِ حقوق الشعب الفلسطيني وإعادة حقوقه المسلوبة. فالدعم السياسي والمادي للفلسطينيين كان ضئيلاً بالمقارنة مع حجم معاناتهم، بل أحياناً كان معدوماً. في كثير من الأحيان، كانت المواقف العربية والدولية تتسم بالتخاذل وعدم الفعالية، مما ساهم في استمرارِ الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني.
إنّ التغيير يبدأ بالوعي بأهمية العمل المشترك بين الفلسطينيين داخلًا، وبين الفلسطينيين ومحيطهم العربي والإسلامي، من أجل رفع الظلم وتحقيق العدالة لهذا الشعب الصامد، لأنّ انتظار المجتمع الدولي وقراراته لن يغيّر من الواقع الفلسطيني، طالما بقي هذا الوحش قابعًا على صدره.
في الذكرى الـ76 للنكبة، يمكن التساؤل: كيف يمكن لذاكرةٍ مليئةٍ بكلّ تلك الندوب أن تنسى، وكيف لها أن ترضى؟
إنّ الفلسطيني يُخلّد ذكرى نكبته اليوم بالمقاومة ورفض الواقع الذي فُرِضَ عليه منذ 76 عامًا، كانت وما زالت مليئة بكلّ ما هو ظالم. وربّما يكون عنوان هذه المرحلة، رغم قسوة المخاض، الظفر بالأرض والحقوق وانتزاعها من براثن المحتل.