02 سبتمبر 2024
هزليات السياسة الأسدية (12)
بعد العَشَاء، تابعَ الأستاذ كمال سرد حكاية الإنسان الحلبي الطيب "أبو أيمن" الذي يكره السياسة ويبتعد عنها قدر المستطاع، ومع ذلك جرجروه إلى أحد فروع الأمن، واعتقلوه لمدة عشرين يوماً، بسبب إهماله الذهاب إلى مركز الاستفتاء يوم تجديد البيعة لحافظ الأسد، ثم أطلقوا سراحه بعدما طلبوا منه، بكل صفاقة، أن يعمل مخبراً لديهم.
قال أبو إبراهيم مستفسراً: ورضي يشتغل مخبر؟
قال كمال: متلما حكيت لكم، أبو أيمن كان في عنده فلسفة خاصة في الحياة، وهاي الفلسفة بتمنعه من القيام بأي عمل ضار بالآخرين، وكان بنفس الوقت خايف من هدول المخابرات اللي معتقلينُه، لأنه بيعرف أنهم مجرمين، وإنه بإمكانهم يئذوه، ويئذوا أي إنسان وما في حدا في العالم قادر يمنعهم من هالشي.
لذلك قال للضابط: بتسمح لي حضرتك أحكي فكرة؟ قال له: بسمح لك. قال أبو أيمن: منطقتنا فيها عدد كبير من المعلمين اللي بيشتغلوا في صب البيتون، بس أنا عندي شغل أكتر من الكل، وباخد أجرة أكتر من الكل. بتعرف ليش؟ لأنه الشغل تبعي ممتاز، يعني، بلا مؤاخذة، السقف اللي أنا بصب له بيتون إذا بتضربُه بالمدفعية مستحيل يوقَعْ، ومستحيل تلاقي فيه شي طالع شي نازل، ولما أنا بعمل للحيطان قشرة شمينتو أبيض (ورقة بيضا) بيصير ملمس الحيط أنعم من خد البنت اللي عمرها 18 سنة، منشان هيك أغلبية الناس اللي بيعمروا بيوت في منطقتنا بيجوا لعندي، وبيطلبوا مني أصبّ لهم السقف بيتون، وأساوي إلهم ورقة شمينتو بيضا ناعمة للحيطان، بيشغلوني مع أنهم بيعرفوا إنه السعر تبعي غالي. زفر الضابط وقال: طيب، وبعدين؟ قال أبو أيمن: لاكن أنا براتْ صَبّ البيتون طَشَنة، يعني يا سيدي بعيد عنك غبي و(بهيمة)، إذا بشتغل أي شغلة تانية غير صب البيتون بخرّبْها.. مرة من المرات صارت زوجتي أم أيمن تحكي لي عن تحرر المرأة، واحترام المرأة، وإنه الرجل لازم يساعدْ زوجته بشغل البيت، وأنا يا خيو كتير بحبها لأم أيمن، ترى ومخلص إلها، بعمري ما رَفّتْ عيني على مرا تانية، وإش ما قالت بصدق كلامها حتى لو قالت حكي فاضي.. المهم قررت أساعدها بشغل البيت.. كان يوم جمعة، وأنا معطل من الشغل، قلت لها: إنتي جهزي المكدوس والجبنة والزيتون والدبس والطحينة والخبزات وأنا بعمل شاي.. وهادا اللي صار. بس إشو؟ الله وكيلك طِلْعِتْ الشاي تبعي خفيفة وصفرا وفاترة متل شخاخة الولدْ الزغيرْ، وعواض السكر حطيت لها ملح الليمون، بالأخير انجبرت أم أيمن تعمل شاي من جديد، وزاد عليها إنه غسلت الأبريق والكاسات اللي أنا جقجقتْ فيهنْ ووسختهن، وقالت لي: بعد هالمرة أوعى تقرب على شغل البيت.
قال الضابط: اختصر. قال أبو أيمن: على راسي. خيو هاي شغلة كتابة التقارير أكيد كويسة، وبتفيد الوطن متلما قلت لي جنابك، ويمكن الدول اللي ما فيها كتابة تقارير بتتعَرَّضْ للخطرْ أكترْ من غيرها.. بس أنا أكيد إذا بشتغل بهالشغلة بخربها. شلون بدي أعرف أكتب تقارير إذا كاسة شاي ما عرفت أساوي؟.. قال الضابط: أنت يا أخ أبو أيمن ما فهمت علي. أنا ما قلت لك جيب المعلومات وفندها وحللها وطالع منها نتائج.. أنا قلت إنه إنته بتجيبْ معلوماتْ عن الناس اللي حواليك، وبتخلي الباقي علينا، لأنه هادا شغلنا مو شغلك.
قال أبو أيمن: الناس اللي حواليّ؟ ليش أنا مين في ناس حواليّ غير أم أيمن والعمال؟ أنا أصلاً ما بزور حدا ولا حدا بيزورني، لأني ماني فاضي، شغلي في صب البيتون لفوق راسي. قال الضابط: طيب اكتبْ لنا أخبارْ العمالْ تبعك.. فابتسم أبو أيمن وقال: ما بتحرز سيدي ما بتحرز. يعني بدي إكتب لك إنه العامل أبو مراد شال كيسين شمينتو مع بعضهم ونزلت له فتاقة وراح عالمستشفى وعملوا له عملية؟ ولا بكتب لك إنه أبو قدور اقترض خمسمية ليرة لحتى يعمل صفايح وعش البلبل يوم وفاة والدُه؟ أبو قدور يا سيدي مو بَسّ فقيرْ، كمان مغلوب على أمره، هوي كان مفكر يطنش، لاكن أجا لعنده ابن خاله عادل، وهادا عادل يا سيدي رجل غريب، لما بيحكي بيشوبر يإيديه متل معلمين المدارس، وقال لأبو قدور: شوف يا ابن عمتي، ترى إذا ما بتساوي صفايح وعش البلبل وبتوزعها عن روح المرحوم أبوك بيجوز يدخل النار! فارتعب، واقترض خمسمية ليرة، وركض عالسوق، وعمل المطلوب، وراح عالمقبرة وقال لأبوه: تطمن، ما في فوتة عالنار يا حاجّي، عملت لك صفايح ولحم بعجين.. ضحك الضابط غصباً عنه وقال: طيب ما في مشكلة، حتى هادا الحكي اكتب لنا إياه، وإذا ما استفدنا منه أمنياً منقراه ومنتسلى. احتار أبو أيمن في أمره، وقال: طيب أنا عندي سؤال تاني.. إذا أنا ما كتبت تقارير أيش عقوبتها؟ وقبلما يجاوبه الضابطْ عن سؤاله قال له: نسيت أقلك سيدي. ترى أنا بحبه كتير للرئيس حافظ الأسد. الله يطول لنا عمره وينصره على، على، على.. والله ما بعرف مين أعداؤه، المهم الله ينصره بشكل عام. سيدي، أنا هلق أجتني فكرة. إذا إنته بتوافق أنا بنفذها فوراً. الفكرة هيي إني عواض ما إكتب تقاريرْ بأختكْ أم أيمن والعمالْ بنزلْ بكرة الصبح على حارة باب النصر، وبشتري صورة كبيرة للرئيس، وببروظها، وبعلقها عندي في أوضة القعدة.. وجنابكْ كل مدة بتبعت دورية لعندي عالبيت، وإذا ما بتلاقي الصورة معلقة في مكان بارز، وممسوحة، ومنضفة، يبقى عاقبني.
قال أبو جهاد: يخرب بيته هالضابط شقده غليظ، أو على قولة أهل حلب (معلاق).
قال كمال: المهم إنه الضابط رضخ لرغبة أبو أيمن في الامتناع عن كتابة التقارير، وقال له: بصراحة يا أبو أيمن؟ نحنا ما منحسنْ نصنفك معادي للسيد الرئيس، بس إنته على كل حال حيادي سلبي! ونصيحة أخوية مني، انتبه لتصرفاتك ودير بالك ع حالك. بإمكانك تنصرف. فانصرف.
قال أبو إبراهيم مستفسراً: ورضي يشتغل مخبر؟
قال كمال: متلما حكيت لكم، أبو أيمن كان في عنده فلسفة خاصة في الحياة، وهاي الفلسفة بتمنعه من القيام بأي عمل ضار بالآخرين، وكان بنفس الوقت خايف من هدول المخابرات اللي معتقلينُه، لأنه بيعرف أنهم مجرمين، وإنه بإمكانهم يئذوه، ويئذوا أي إنسان وما في حدا في العالم قادر يمنعهم من هالشي.
لذلك قال للضابط: بتسمح لي حضرتك أحكي فكرة؟ قال له: بسمح لك. قال أبو أيمن: منطقتنا فيها عدد كبير من المعلمين اللي بيشتغلوا في صب البيتون، بس أنا عندي شغل أكتر من الكل، وباخد أجرة أكتر من الكل. بتعرف ليش؟ لأنه الشغل تبعي ممتاز، يعني، بلا مؤاخذة، السقف اللي أنا بصب له بيتون إذا بتضربُه بالمدفعية مستحيل يوقَعْ، ومستحيل تلاقي فيه شي طالع شي نازل، ولما أنا بعمل للحيطان قشرة شمينتو أبيض (ورقة بيضا) بيصير ملمس الحيط أنعم من خد البنت اللي عمرها 18 سنة، منشان هيك أغلبية الناس اللي بيعمروا بيوت في منطقتنا بيجوا لعندي، وبيطلبوا مني أصبّ لهم السقف بيتون، وأساوي إلهم ورقة شمينتو بيضا ناعمة للحيطان، بيشغلوني مع أنهم بيعرفوا إنه السعر تبعي غالي. زفر الضابط وقال: طيب، وبعدين؟ قال أبو أيمن: لاكن أنا براتْ صَبّ البيتون طَشَنة، يعني يا سيدي بعيد عنك غبي و(بهيمة)، إذا بشتغل أي شغلة تانية غير صب البيتون بخرّبْها.. مرة من المرات صارت زوجتي أم أيمن تحكي لي عن تحرر المرأة، واحترام المرأة، وإنه الرجل لازم يساعدْ زوجته بشغل البيت، وأنا يا خيو كتير بحبها لأم أيمن، ترى ومخلص إلها، بعمري ما رَفّتْ عيني على مرا تانية، وإش ما قالت بصدق كلامها حتى لو قالت حكي فاضي.. المهم قررت أساعدها بشغل البيت.. كان يوم جمعة، وأنا معطل من الشغل، قلت لها: إنتي جهزي المكدوس والجبنة والزيتون والدبس والطحينة والخبزات وأنا بعمل شاي.. وهادا اللي صار. بس إشو؟ الله وكيلك طِلْعِتْ الشاي تبعي خفيفة وصفرا وفاترة متل شخاخة الولدْ الزغيرْ، وعواض السكر حطيت لها ملح الليمون، بالأخير انجبرت أم أيمن تعمل شاي من جديد، وزاد عليها إنه غسلت الأبريق والكاسات اللي أنا جقجقتْ فيهنْ ووسختهن، وقالت لي: بعد هالمرة أوعى تقرب على شغل البيت.
قال الضابط: اختصر. قال أبو أيمن: على راسي. خيو هاي شغلة كتابة التقارير أكيد كويسة، وبتفيد الوطن متلما قلت لي جنابك، ويمكن الدول اللي ما فيها كتابة تقارير بتتعَرَّضْ للخطرْ أكترْ من غيرها.. بس أنا أكيد إذا بشتغل بهالشغلة بخربها. شلون بدي أعرف أكتب تقارير إذا كاسة شاي ما عرفت أساوي؟.. قال الضابط: أنت يا أخ أبو أيمن ما فهمت علي. أنا ما قلت لك جيب المعلومات وفندها وحللها وطالع منها نتائج.. أنا قلت إنه إنته بتجيبْ معلوماتْ عن الناس اللي حواليك، وبتخلي الباقي علينا، لأنه هادا شغلنا مو شغلك.
قال أبو أيمن: الناس اللي حواليّ؟ ليش أنا مين في ناس حواليّ غير أم أيمن والعمال؟ أنا أصلاً ما بزور حدا ولا حدا بيزورني، لأني ماني فاضي، شغلي في صب البيتون لفوق راسي. قال الضابط: طيب اكتبْ لنا أخبارْ العمالْ تبعك.. فابتسم أبو أيمن وقال: ما بتحرز سيدي ما بتحرز. يعني بدي إكتب لك إنه العامل أبو مراد شال كيسين شمينتو مع بعضهم ونزلت له فتاقة وراح عالمستشفى وعملوا له عملية؟ ولا بكتب لك إنه أبو قدور اقترض خمسمية ليرة لحتى يعمل صفايح وعش البلبل يوم وفاة والدُه؟ أبو قدور يا سيدي مو بَسّ فقيرْ، كمان مغلوب على أمره، هوي كان مفكر يطنش، لاكن أجا لعنده ابن خاله عادل، وهادا عادل يا سيدي رجل غريب، لما بيحكي بيشوبر يإيديه متل معلمين المدارس، وقال لأبو قدور: شوف يا ابن عمتي، ترى إذا ما بتساوي صفايح وعش البلبل وبتوزعها عن روح المرحوم أبوك بيجوز يدخل النار! فارتعب، واقترض خمسمية ليرة، وركض عالسوق، وعمل المطلوب، وراح عالمقبرة وقال لأبوه: تطمن، ما في فوتة عالنار يا حاجّي، عملت لك صفايح ولحم بعجين.. ضحك الضابط غصباً عنه وقال: طيب ما في مشكلة، حتى هادا الحكي اكتب لنا إياه، وإذا ما استفدنا منه أمنياً منقراه ومنتسلى. احتار أبو أيمن في أمره، وقال: طيب أنا عندي سؤال تاني.. إذا أنا ما كتبت تقارير أيش عقوبتها؟ وقبلما يجاوبه الضابطْ عن سؤاله قال له: نسيت أقلك سيدي. ترى أنا بحبه كتير للرئيس حافظ الأسد. الله يطول لنا عمره وينصره على، على، على.. والله ما بعرف مين أعداؤه، المهم الله ينصره بشكل عام. سيدي، أنا هلق أجتني فكرة. إذا إنته بتوافق أنا بنفذها فوراً. الفكرة هيي إني عواض ما إكتب تقاريرْ بأختكْ أم أيمن والعمالْ بنزلْ بكرة الصبح على حارة باب النصر، وبشتري صورة كبيرة للرئيس، وببروظها، وبعلقها عندي في أوضة القعدة.. وجنابكْ كل مدة بتبعت دورية لعندي عالبيت، وإذا ما بتلاقي الصورة معلقة في مكان بارز، وممسوحة، ومنضفة، يبقى عاقبني.
قال أبو جهاد: يخرب بيته هالضابط شقده غليظ، أو على قولة أهل حلب (معلاق).
قال كمال: المهم إنه الضابط رضخ لرغبة أبو أيمن في الامتناع عن كتابة التقارير، وقال له: بصراحة يا أبو أيمن؟ نحنا ما منحسنْ نصنفك معادي للسيد الرئيس، بس إنته على كل حال حيادي سلبي! ونصيحة أخوية مني، انتبه لتصرفاتك ودير بالك ع حالك. بإمكانك تنصرف. فانصرف.