02 سبتمبر 2024
هزليات السياسة الأسدية (34)
خطابات الحركة التصحيحية لمواجهة النحس
في مستهل سهرة الإمتاع والمؤانسة قال الأستاذ كمال إن آليات الفساد في سورية تشبه آليات عمل السيارات "العمومية"، إذ يحق لكل إنسان أن يستأجرها وقتما يشاء، وإذا صادف أن أوقفتَ سيارة عمومية ورفض سائقُها أن يُقِلَّكَ إلى المكان الذي تريد الذهاب إليه يصبح من حقك أن تسجل نمرة السيارة على ورقة وتتقدم بشكوى لمديرية التموين ضد السائق، فيتعرض، بناء على شكواك، لمحاكمة، ويلحق به كثير من الضرر..
حينما يلجأ مسؤول سوري إلى السرقة فإنه لا يفكر كثيراً بالاحتياطات التي يجب عليه اتباعُها ليبعدَ عن نفسه الشبهات، بل يفكر بالطُرق التي تسهّل عليها سرقةَ أكبر كمية ممكنة من أموال الشعب في أقل وقت ممكن، إذ لا يعرف أحدٌ شيئاً عن الفترة التي سيمضيها في هذه الوظيفة، فالتعيين والإقالة حق للقيادات العليا تستخدمه في الزمان الذي تراه مناسباً، وبعد إقالة المسؤول الفاسد يمكن أن يرمى جانباً ويعامل بالإهمال في ما تبقى من عمره.
قال أبو محمد: أنا عندي سؤال. إذا المسؤول الفاسد انكشفْ، وطلعت ريحتُه، وهوي لسه على راس عمله، أيشْ بيصيرْ معه؟
قال كمال: لما القيادة العليا بتفكرْ بتعيينْ مسؤولْ في وظيفة حساسة، بيكونْ عندها شرطين أساسيين لازم يتحققوا بالشخص المرشحْ للوظيفة، الأول هو الولاء، والتاني هو الاستعدادْ لممارسة الفساد، لأنه تعيين إنسان غير فاسد بيسبب لبكة لمجموعة الفاسدين الموزعين على مختلف المناصب. يعني الشغلة عبارة عن "فساد عَ المكشوف".. ولما واحدْ من المسؤولين في القيادة العليا بتوصله أخبارْ مؤكدة بتقول إن المسؤول "فلان" عم يسرق، بيشعر بالفرح والغبطة، لأنه بيصيرْ من حقه ياخدْ نسبة من المبالغ اللي عم يسرقها فلان، مقابل إنه يسكت عنه، وإذا لزم الأمر بيحميه، وطبعاً الحماية بتكلفْ أكتر من السكوت، لأنه بيكون داخلْ عالخط شخصياتْ أخرى عم تطالب بمحاسبتُه، والشخصيات الأخرى ممكن تكونْ صِدامية، وفلان بهالحالة بيضطر يدفع المبالغ المطلوبة منه لأنه المهم بالنسبة إله إنه يطلع من الوحلة أو "الطابوسة" بأقل ما يمكن من الخسائر.
استرسل كمال بالكلام قائلاً:
- وفي عصر حافيييظ الأسد، ومن خلال هالجو الملوثْ، ظهرت في سورية أوصافْ وتسميات عجيبة للفاسدين، مثلاً، بيقولوا عن الشخص الشاطر اللي بيعرف من وين تؤكل الكتف (حَرْبُوق) أو شَرَامَنْد. ومن الأوصاف العجيبة اللي بتنقال عن الحربوق: رجَّال بقد وقته، بيطعمي تسعة وبياكل عشرة.. وبيقولوا كمان: صحتين على قلبه، واللي بينتفعْ وبينفّعْ غيرُه حلال عليه.. وبيقولوا: اللي أخدْ ورَدّْ ما ارتد وشارك الناس في أموالها.
قال أبو زاهر:
- عرفتوا ليش الأستاذ كمال عم يحكي هالحكي؟ كنا عم نسمع من "أبو الجود" حكايتُه مع قائد الشرطة "أبو عزام" اللي اكتشف إنه الموتوسيكلات المهربة المصادرة ممكن تدر عليه دخل كبير.. فخطر للأستاذ كمال يحكي عن الفساد وطبقات الفاسدين اللي تحت واللي فوق. صح؟
قال كمال: بالضبط.
قال أبو محمد: يا ريت نسمع كمالة الحكاية من أبو الجود.. ومع احترامي للجميع، أنا بشوف حكايات أبو الجود فيها متعة أكتر من بقية الأحاديث.
قال أبو الجود: إنته بتؤمر يا عمي أبو محمد. لما أنا حكيت لقائد الشرطة "أبو عزام" إنه الموتوسيكل المصادَر بينباع بمبلغ منيح من دون ما يسبب مشاكل، أعجبته الفكرة، وصار يصك أسنانه ويهمر متل ضبع قرية "شْعَافْ" لما بتمر من قدامه فريسة، وبلش يلوم حاله ويقول:
- يا لطيف أنا شو جحش؛ بَعطي ورقة لشخص، بيروح هالشخص بيستلم موتوسيكل مصادر، وبيبيعه، وبيحط بجيبه خمسة وعشرين ألف ليرة، وبيصير يصرف ويجخّ، وأنا ما بستفيد شي.
قلت له: يا أبو عزام هلق أيش بيفيدنا الندم والبكي والندب؟ خلينا نتشارك أنا وإنته على هالتجارة وإنته بهالحالة بتستفيد وبتفيدني، وحلال ع الشاطر.
قال لي: شلون بدنا نتشارك؟
قلت له: أنا بترك الشغل في شعبة الحزب، وبمر عليك كل يوم عَ القيادة، بتعطيني ورقة مكتوبة ومختومة، بروح على كاراج الحجز بستلم موتوسيكل مصادر من عند "أبو مصطو"، وبروح دغري على بازار الموتوسيكلات، ببيعه، وبرجعْ لعندك، بعطيك تسعين بالمية من تمنه، وباخد أنا عشرة بالمية. وكل هالشي منساويه في السر، يعني لا مين حس ولا مين دري.
رفع أبو عزام حواجبه لفوق، وقال لي: لأ.
قلت له: ليش؟
قال لي لأني بحب الحياة ومو جاية على بالي أموت!
ضحك أبو محمد وقال لأبو الجود: ومين جاب سيرة الموت؟
قال أبو الجود: العميد قائد الشرطة كان بيعرف قصتي مع مدير المنطقة، لما رحت حتى أقابله، وبسبب النحس تبعي حط إيده على صدره وصار يصيح (قلبي قلبي قلبي)، وأجوا المرافقين تبعه وطلبوا له الإسعاف، وشالوه ع المستشفى، ومات ع الطريق. لذلك رفض أبو عزام العرض تبعي وقال لي: أنا مستعد أعيش مع عيلتي ع الخبزة والزيتونة، ولا بشارك واحد منحوس متلك وبروح في خبر كان!
ضحك الحاضرون رغم مأساوية الحديث عن الموت. وقال أبو جهاد:
- بتصدقوا يا شباب؟ أنا صرت أخاف على حالي من السهرة كل ليلة مع أبو الجود.
قال أبو الجود: مدير المنطقة مات لأني كان إلي عنده مصلحة. أما إنته لا تخاف. بتعيش مية سنة وما حدا بيحتاجك بشي. المهم، بتعرفوا يا شباب بوقتها أنا أشو صار معي؟
قال أبو ماهر: شو؟
قال: تنمرت على قائد الشرطة، ووضحت له إنه هادا التصرف عيب. أنا صاحب الفكرة ولازم إستفيد.
هوي تنمر علي أكتر وقال لي: بدك تستفيد من شو ولا حيوان؟ إنته صدقت إني أنا بمد إيدي وباخد قرش واحد من أموال الشعب؟
وصار يخطب علي متل الخطابات تبع الحركة التصحيحية.
(للقصة تتمة)
في مستهل سهرة الإمتاع والمؤانسة قال الأستاذ كمال إن آليات الفساد في سورية تشبه آليات عمل السيارات "العمومية"، إذ يحق لكل إنسان أن يستأجرها وقتما يشاء، وإذا صادف أن أوقفتَ سيارة عمومية ورفض سائقُها أن يُقِلَّكَ إلى المكان الذي تريد الذهاب إليه يصبح من حقك أن تسجل نمرة السيارة على ورقة وتتقدم بشكوى لمديرية التموين ضد السائق، فيتعرض، بناء على شكواك، لمحاكمة، ويلحق به كثير من الضرر..
حينما يلجأ مسؤول سوري إلى السرقة فإنه لا يفكر كثيراً بالاحتياطات التي يجب عليه اتباعُها ليبعدَ عن نفسه الشبهات، بل يفكر بالطُرق التي تسهّل عليها سرقةَ أكبر كمية ممكنة من أموال الشعب في أقل وقت ممكن، إذ لا يعرف أحدٌ شيئاً عن الفترة التي سيمضيها في هذه الوظيفة، فالتعيين والإقالة حق للقيادات العليا تستخدمه في الزمان الذي تراه مناسباً، وبعد إقالة المسؤول الفاسد يمكن أن يرمى جانباً ويعامل بالإهمال في ما تبقى من عمره.
قال أبو محمد: أنا عندي سؤال. إذا المسؤول الفاسد انكشفْ، وطلعت ريحتُه، وهوي لسه على راس عمله، أيشْ بيصيرْ معه؟
قال كمال: لما القيادة العليا بتفكرْ بتعيينْ مسؤولْ في وظيفة حساسة، بيكونْ عندها شرطين أساسيين لازم يتحققوا بالشخص المرشحْ للوظيفة، الأول هو الولاء، والتاني هو الاستعدادْ لممارسة الفساد، لأنه تعيين إنسان غير فاسد بيسبب لبكة لمجموعة الفاسدين الموزعين على مختلف المناصب. يعني الشغلة عبارة عن "فساد عَ المكشوف".. ولما واحدْ من المسؤولين في القيادة العليا بتوصله أخبارْ مؤكدة بتقول إن المسؤول "فلان" عم يسرق، بيشعر بالفرح والغبطة، لأنه بيصيرْ من حقه ياخدْ نسبة من المبالغ اللي عم يسرقها فلان، مقابل إنه يسكت عنه، وإذا لزم الأمر بيحميه، وطبعاً الحماية بتكلفْ أكتر من السكوت، لأنه بيكون داخلْ عالخط شخصياتْ أخرى عم تطالب بمحاسبتُه، والشخصيات الأخرى ممكن تكونْ صِدامية، وفلان بهالحالة بيضطر يدفع المبالغ المطلوبة منه لأنه المهم بالنسبة إله إنه يطلع من الوحلة أو "الطابوسة" بأقل ما يمكن من الخسائر.
استرسل كمال بالكلام قائلاً:
- وفي عصر حافيييظ الأسد، ومن خلال هالجو الملوثْ، ظهرت في سورية أوصافْ وتسميات عجيبة للفاسدين، مثلاً، بيقولوا عن الشخص الشاطر اللي بيعرف من وين تؤكل الكتف (حَرْبُوق) أو شَرَامَنْد. ومن الأوصاف العجيبة اللي بتنقال عن الحربوق: رجَّال بقد وقته، بيطعمي تسعة وبياكل عشرة.. وبيقولوا كمان: صحتين على قلبه، واللي بينتفعْ وبينفّعْ غيرُه حلال عليه.. وبيقولوا: اللي أخدْ ورَدّْ ما ارتد وشارك الناس في أموالها.
قال أبو زاهر:
- عرفتوا ليش الأستاذ كمال عم يحكي هالحكي؟ كنا عم نسمع من "أبو الجود" حكايتُه مع قائد الشرطة "أبو عزام" اللي اكتشف إنه الموتوسيكلات المهربة المصادرة ممكن تدر عليه دخل كبير.. فخطر للأستاذ كمال يحكي عن الفساد وطبقات الفاسدين اللي تحت واللي فوق. صح؟
قال كمال: بالضبط.
قال أبو محمد: يا ريت نسمع كمالة الحكاية من أبو الجود.. ومع احترامي للجميع، أنا بشوف حكايات أبو الجود فيها متعة أكتر من بقية الأحاديث.
قال أبو الجود: إنته بتؤمر يا عمي أبو محمد. لما أنا حكيت لقائد الشرطة "أبو عزام" إنه الموتوسيكل المصادَر بينباع بمبلغ منيح من دون ما يسبب مشاكل، أعجبته الفكرة، وصار يصك أسنانه ويهمر متل ضبع قرية "شْعَافْ" لما بتمر من قدامه فريسة، وبلش يلوم حاله ويقول:
- يا لطيف أنا شو جحش؛ بَعطي ورقة لشخص، بيروح هالشخص بيستلم موتوسيكل مصادر، وبيبيعه، وبيحط بجيبه خمسة وعشرين ألف ليرة، وبيصير يصرف ويجخّ، وأنا ما بستفيد شي.
قلت له: يا أبو عزام هلق أيش بيفيدنا الندم والبكي والندب؟ خلينا نتشارك أنا وإنته على هالتجارة وإنته بهالحالة بتستفيد وبتفيدني، وحلال ع الشاطر.
قال لي: شلون بدنا نتشارك؟
قلت له: أنا بترك الشغل في شعبة الحزب، وبمر عليك كل يوم عَ القيادة، بتعطيني ورقة مكتوبة ومختومة، بروح على كاراج الحجز بستلم موتوسيكل مصادر من عند "أبو مصطو"، وبروح دغري على بازار الموتوسيكلات، ببيعه، وبرجعْ لعندك، بعطيك تسعين بالمية من تمنه، وباخد أنا عشرة بالمية. وكل هالشي منساويه في السر، يعني لا مين حس ولا مين دري.
رفع أبو عزام حواجبه لفوق، وقال لي: لأ.
قلت له: ليش؟
قال لي لأني بحب الحياة ومو جاية على بالي أموت!
ضحك أبو محمد وقال لأبو الجود: ومين جاب سيرة الموت؟
قال أبو الجود: العميد قائد الشرطة كان بيعرف قصتي مع مدير المنطقة، لما رحت حتى أقابله، وبسبب النحس تبعي حط إيده على صدره وصار يصيح (قلبي قلبي قلبي)، وأجوا المرافقين تبعه وطلبوا له الإسعاف، وشالوه ع المستشفى، ومات ع الطريق. لذلك رفض أبو عزام العرض تبعي وقال لي: أنا مستعد أعيش مع عيلتي ع الخبزة والزيتونة، ولا بشارك واحد منحوس متلك وبروح في خبر كان!
ضحك الحاضرون رغم مأساوية الحديث عن الموت. وقال أبو جهاد:
- بتصدقوا يا شباب؟ أنا صرت أخاف على حالي من السهرة كل ليلة مع أبو الجود.
قال أبو الجود: مدير المنطقة مات لأني كان إلي عنده مصلحة. أما إنته لا تخاف. بتعيش مية سنة وما حدا بيحتاجك بشي. المهم، بتعرفوا يا شباب بوقتها أنا أشو صار معي؟
قال أبو ماهر: شو؟
قال: تنمرت على قائد الشرطة، ووضحت له إنه هادا التصرف عيب. أنا صاحب الفكرة ولازم إستفيد.
هوي تنمر علي أكتر وقال لي: بدك تستفيد من شو ولا حيوان؟ إنته صدقت إني أنا بمد إيدي وباخد قرش واحد من أموال الشعب؟
وصار يخطب علي متل الخطابات تبع الحركة التصحيحية.
(للقصة تتمة)