هزليات السياسة الأسدية (7)
استولى صديقُنا "أبو الجود" على انتباه الساهرين في جلسة "الإمتاع والمؤانسة" من خلال حكايته العجيبة عن الرفيق نزار، رئيس بلدية القرية الذي لجأ إليه طالباً مساعدته في الوصول إلى عضوية مجلس الشعب، مع أن "أبو الجود"، كما اعترف بعظمة لسانه، إنسان هامشي، و(اخرطي)، وشُرَّابة خُرْج، ولا هو من العير ولا من النفير، وحلف لنا يميناً بما يرتجيه من الله تعالى على أنه لو كان يبحث عن دعم، وواسطة، لتحقيق مصلحة ما، يستحيل أن يلجأ إلى آذن (فراش) في شعبة الحزب مثله لكي يساعده ويتوسط له، ولذلك بقي مستغرباً من لجوء نزار إليه.
قال أبو محمد: ما في داعي تحلّل لنا الموقف يا أبو الجود. إنته قلتْ إنك التقيتْ مع الأستاذ نزار في البلدية منشانْ يحكي معك في هَالموضوعْ. إذا بتريدْ من هونْ كَمّلْ الحكاية.
قال أبو الجود: أنا تحت أمركْ. لما أنا قلتْ للأستاذْ نزار إنه وصولُه لمجلسْ الشعبْ بيكلفْ مصاري قالْ لي (بدفعْ، قَدّ ما كلفتْ تكلّفْ). أنا بصراحة استغربتْ هالشي، لأني نزار وإخوته كانوا يمضُّوا الشتوية وهني عم يستجيروا من سَقْفْ بيتهم اللي بيوكف عليهم وهني نايمين، وأنا أولْ مرة سمعتْ المتلْ اللي بيقولْ (فلانْ أَلَحّْ من الوَكْفْ) من نزار.. الوَكْفْ متلما بتعرفوا هوي التنقيطْ المستمرّْ من السقفْ عَ الأرضْ، وكان تصليحْ السقفْ بهديكه الأيام يا دوبْ يكلف ميتين ليرة، لاكنْ أبوه لنزار مفلس وأندبوري متلي وزيادة، وطول عمرُه ما تجمع معه خمسينْ ليرة، بقى من وينْ بدُّه يجيبْ ميتين ليرة حتى يصلحُه؟ وهلق بعدما ماتْ أبو نزار، وكبر نزارْ وصارْ أستاذْ ما بيمتلكْ شي في الدنيا غيرْ "حاكورة" أرض مساحتها خمس دونمات قريبة من مقبرة الضيعة، وهالحاكورة طولْ النهارْ بيرعى فيها الماعزْ والدجاجْ والحرادينْ وبعدما ياكلوا ويشبعوا بيقضوا حاجاتهم فيها.
قال أبو ماهر: إذا هيك معك حق تستغرب. عن جد من وين جابْ نزارْ المصاري؟!
قال أبو الجود: أنا سألته للأستاذ نزار نفس السؤال، قلت له: هلق أنا وإنته قاعدين لحالنا وما في بيناتنا حدا، ممكن تفهمني من وين جبتْ المصاري؟ بوقتْها خَطَرْ لُه يضحك علي فقال لي: بصراحة يا أبو الجود الله تعالى رزقني! ولما شافني مو مصدق قال لي: أخي اعتبرني ربحانْ باليانصيب، وعلى كل حال إذا إنته بتساعدني حتى أصيرْ عضو مجلس الشعب ترى حصتك محفوظة، ومستعد أعطيك هلق دفعة ع الحسابْ.
قال أبو جهاد: إنته فعلاً طشنة يا أبو الجود، ومانَكْ عَرْفَانْ راسَك من رجليكْ. خيو، أنا بدي أقول لك من وينْ جابْ الأستاذْ نزارْ المصاري. نزار، بعدما استلم البلدية وصار عنده ميزانية ومصاري للمشاريع، خَلَّى أولْ شارعْ في الضيعة يمرّْ من جنبْ الأرضْ "الحاكورة" تبعُه، وبحجة إنه عَمْ يعملْ تجميلْ للضيعة طَلَبْ من المواطنين ينقلوا رُفَاتْ أمواتْهُمْ لشرقي الضيعة، عَ المقبرة الجديدة، وشالْ هاي المقبرة اللي جنب أرضُه وعملها حديقة، وفي يوم وليلة تْضَاعَفْ سعرْ الأرضْ تبعُه شي عشرين مرة، لأنه صارتْ بتطلّْ على شارع مْزَفَّتْ، وحديقة عامة.. وبعد مدة قصيرة باعْ الأرضْ لمتعهد بناء حلبي، بمبلغ كبير، وأخد المصاري وأودعها في المصرف التجاري بإدلب.
قال أبو الجود: كلام أبو جهاد صحيح، بس أنا بوقتْها ما كنتْ بعرف هالشي. المهم أخدتْ منه خمسمية ليرة سَلَفْ، ووعدني يعطيني ألفين ليرة إذا صارْ عضو في مجلس الشعبْ، وقال لي إذا صرتْ عضو في المجلس بدي أعملْ مكتب هون في الضيعة، وبدي أعَيّنَكْ مديرْ للمكتب براتب شهري كويسْ. بصراحة أنا من فرحي صرت أنطّْ وما أحطّْ، مو لأنه بده يعطيني راتب، بس إذا تعينت مديرْ مكتبه بخلص من غسيل الكاسات وغلي الشاي والقهوة والزهورات للرفاق المناضلين اللي بيزوروا شعبة الحزب.
قال أبو محمد: طيب وأشو عملت حتى تساعد الأستاذ نزار؟
قال أبو الجود: تاني يوم داومت في الشعبة متل العادة، وفي آخر الدوام عملت فنجان قهوة ودخلت لعند الرفيق فواز أمين الشعبة، وقلت له: بتسمحْ لي أَسَكّرْ البابْ رفيقْ؟ قال لي: ليش؟ قلت له: في حديثْ بدي إحكيه بيني وبينك. قال لي: سَكّْرُهْ. سكرتْ البابْ وقعدتْ معه وحكيت له القصة من طاق طاق للسلام عليكم. بتعرفوا أيش عمل أمين الشعبة؟
قال أبو جهاد: أكيد ضَرَبَكْ على وجهك بالبوكس!
قال أبو الجود: لا والله، بس زعل مني، وبهدلني، وقال لي مو هادا أملي فيك يا رفيق أبو الجود. نحن الرفاق البعثيين موجودين لحتى نخدم الشعب، والعمال والفلاحين وصغار الكسبة، ونحن كل راسْ شهرْ عَمْ ناخدْ راتبْ، وهالراتبْ عَمْ يطلعْ من رقبة العمال والفلاحين والمواطنين اللي بيدفعوا ضرايبْ، وما بيجوز نرتشي ويصير الشي اللي بيسموه (الإثراءْ بلا سببْ)، وبالنسبة لمجلس الشعب نحن في الحزب منسعى لأنُّه يكونْ تمثيلْ العمالْ والفلاحينْ وصغارْ الكسبة فيه تمثيلْ حقيقي، وباقي قطاعات الشعب لازم تتنافس على مقاعد المجلس منافسة شريفة. وعلى كل حال القيادة تبعنا راح تعمل قائمة مشتركة بين حزبنا العظيم وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وأنا إنسانْ مؤمنْ بحكمة القيادة ونزاهتها، وأكيد راح يختاروا الأنسب والأصلح، أما هادا الرفيقْ نزارْ ابنْ ضيعتكْ اللي عيّناه رئيس بلدية فأنا بعرفْ شغلي معه، وبأكدْ لَكْ إني راحْ أكتب تقريرْ بحقه للقيادة، وإمنعه من النزول في قائمة الجبهة، وفي أول اجتماع لقيادة الشعبة راح أقترح فصله من الحزب.
دهش الحاضرون إلى أبعد الحدود. وقال أبو ماهر:
- واضح أنه أمين الشعبة بعثي شريف. أيش صار بعدين؟
قال أبو الجود: صارت قصة إذا بحكي لك ياها يا أبو ماهر راح يوقف شعر راسك. ظبطوا لنا كاسة شاي تقيلة حتى أحكي لكم إياها.