هل يتقاضى عباس راتباً شهرياً من جهاز الشاباك؟
سفيان بنحسين
إلى حدّ كتابة هذه الأسطر، تجاوز عدد شهداء العدوان على غزة ثمانية آلاف، معظمهم من النساء والأطفال، حتى عجز أهلنا في فلسطين عن إيجاد مساحة قبر لدفن موتاهم. ضاقت الدنيا بالفلسطيني حيّا أو ميتا؟! وهذا الفعل هو ديدن الصهاينة الذين دأبوا على تجنّب مواجهة الرجال في كلّ معاركهم منذ نشأتهم المشؤومة على يد البريطانيين، ورغم جرائم الاحتلال التي لا تتوقف، لم نسمع عن سلطة أوسلو، ممثلة في محمود عباس، أنّها قد تفكر في إيقاف أو مراجعة التنسيق الأمني، كأنّ السلطة الفلسطينية قد فقدت البوصلة في عرض بحر هائج ومائج مفعم بالأحداث العالمية والإقليمية التي لم تناصر الحق بل تكالبت عليه، أو كأنها تسير على درب ملوك الطوائف في الأندلس الفقيد، الذين وقف بعضهم في الجانب الآخر من متراس المواجهة بتخندقهم في صفوف القشتاليين والآراغون نكاية بإخوة الدم.
ورغم جرائم الاحتلال التي لا تتوقف لم نسمع عن سلطة أوسلو ممثلة في محمود عباس، أنّها قد تفكر في إيقاف أو مراجعة التنسيق الأمني
ولم يقتصر العدوان الصهيوني اليوم على قطاع غزة المحاصر، وإنما امتدت يد الغدر والإرهاب إلى جنين في الضفة التي تخلو من رجال الضيف والسنوار وأبو عبيدة، قد يسمع عباس من مقر إقامته برام الله أصوات المدافع والطائرات وهي تدك جنين، وقد يتناهى إليه صوت سيارات الإسعاف مسرعة إلى مكان ما من الأرض المغتصبة، أو تكبيرات الأهالي وهم يحملون شهيدا أو أشلاء شهيد على الأكتاف، لكنه، وهو الرجل الثمانيني الذي قطعا لن يعيش أكثر مما عاشه في هذه الحياة المترعة كآبة وخمولا يرفض الموت بشرف، يرفض التلويح بانتفاضة شاملة تعم كل فلسطين، يرفض إيقاف التنسيق الأمني مع العدو، كأن جرائم الإبادة والتطهير العرقي تحدث في مكان ما هو أبعد ما يكون عن فلسطين.
من يسمع مصطلح التنسيق الأمني للوهلة الأولى يتبادر إلى ذهنه أنها عملية تبادل معلومات بين طرفين أو بين ندين، هي عملية تخابر تلاحق بموجبها سلطة عباس المقاومين وتنقل أخبار تحركاتهم إلى الاحتلال، وتقوم بإغلاق المؤسسات والجمعيات ومراقبة الأرصدة بالبنوك، قد تطلق النار حينا عوضا عن المحتل وقد تقتل وتعتقل وتنكل باسم التنسيق الأمني، نحن لسنا إزاء سلطة وطنية وإنما إزاء مجموعة من المرتزقة أقرب إلى شركة أمن خاصة تحمي ظهر الاحتلال لقاء امتيازات مالية سخية، الأرقام غير الرسمية تتحدث عن سبعين ألف مسلح من أجهزة عباس والأجهزة الموازية كل رصاصها موجه حصرا صوب صدور المجاهدين من أبناء شعبنا في فلسطين.
لعلَّ "التنسيق الأمني" هو كل ما بقي شاهدا على اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين الكيان، الوحيد المتبقي على قيد الحياة من مجمل الاتفاق الذي أُطلق ليكون بادرة سلام تُمكّن الفلسطينيين من إقامة دولتهم، وهو ما لم يتم رغم مرور عقود على الاتفاق، بل مكن الاحتلال من تحويل الضفة إلى كانتونات غير متصلة تنتشر فيها المستوطنات من أقصاها إلى أقصاها كالجذام. التنسيق كلمة مضللة، فما يجري بين سلطة عباس وبين سلطة الاحتلال لا يمكن وصمه إلا بكونه تعاون من طرف واحد، الطرف الفلسطيني هو الوحيد الملزم بتقديم المعلومات والدعم من دون الحصول على مثلها أو أقل، وكان هذا دوما دور الحكومات العميلة زمن الاحتلال.
سيدرك عباس بعد فوات الأوان أنه بتخابره مع العدو ما قطع إلا كفه وما جدع إلا أنفه، انخراطه في التنسيق الأمني كان البساط الأحمر ومرجعية التمرير والتبرير لموجة التطبيع التي شهدها الوطن العربي مؤخرا، التنسيق الأمني كما التطبيع هما أعلى درجات الخيانة الوطنية، واليوم حين يرتكب الكيان مجزرة جديدة يقف عباس صامتا وربما شامتا ونفسه تحدثه أنه قد يقيم دويلة في رام الله بحجم قصره أو دون ذلك ليحكمها ويورث الحكم لابنه من بعده.
نقولها دون مساحيق، التحرير يبدأ أولاً بدفن سلطة أوسلو التي سعت إلى تحويل القضية إلى حبر على ورق بتماهيها في غيها وسياستها التي تخدم مصالحها المرتبطة بالكيان، وعباس يقينا يتقاضى راتبه من ربيبة بريطانيا، فلا سلطة تحت حراب الاحتلال ولا شرعية إلا لمن يرفع السلاح في وجه العابرين. سيذكر التاريخ عباس كما ذكر ابن العلقمي ذلك الوزير العباسي الذي مهد الطريق لهولاكو لحرق بغداد، وكما يذكر اليوم علاوي وجلبي وزمرة بريمر الخونة، الحرية تنير طريقها قذائف ياسين وصواريخ عياش وكل ما دون ذلك هو الهراء.