يتحالف الأغبياء لإعدام ذكي
مصطفى العادل
بينما كنت أبحث نازلا وصاعدا في حسابي الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إذا بي أمر على تدوينة تضم عددا من الصوّر التي تعبّر عن حالنا في الكثير من بلدان العالم المعاصر، صور كثيرة كل واحدة منها تجسّد جانبا من المعاناة التي تحيط بالإنسان على هذه الأرض؛ التي لم تعد تتحمل عيّ البشر وظلمه وطغيانه.
- صورة رجل يجلس معلّقا بجوار موصل الكهرباء، يحمل في يده هاتفا، لم يستطع أن يتركه ولو لحظةً لشحن بطاريته، في أعلى الصورة كلب مربوط بشباك في شبه تطابق تام بين الصورتين.
- صورة لفتاة متبرجة تأخذ صورة لنفسها والإعجابات والتعليقات تتدفق منها بأعداد خيالية، بجوارها صورة لرسام يعرض صورة جميلة ولم يحصل على أكثر من عشرين إعجابا وتفاعلا.
- صورة لامرأة تسوق عربة التسوق وقد ملأتها بما لذّ وطاب من أنواع المأكولات والمشروبات، وفي الجهة المقابلة صورة لرجل فقير يسوق العربة نفسها وقد ملأها من سلة النفايات.
- صورة شاب بلباس الطالب المتخرج يعرض شهاداته العلمية ويضع أمامه قبعة الاحتفال بالتخرج في الشارع يتسول.
- صورة لنجّار يقطع شجرة مثمرة فيصنع منها تمثالا يسجد له ويطلب منه أن يمده بثمرة.
- صورة لطفلين أحدهما يلعب بأحدث الألواح الإلكترونية الذكية والآخر حافي القدمين عاريا يقتات من القمامة.
صورة عدد كبير من الشموع وهي في ساحة الإعدام تنتظر إعدام المصباح الذي يظهر بدوره في صورة مجرم مكبّل اليدين، ومقيّدا نحو الإعدام.
هذه كلها صور تعكس حقائق دقيقة من هذا العالم الذي نعيش فيه. والصورة الأخيرة أثارت انتباهي، فأعدت نشرها في حسابي معلقا عليها بقولي:
"الشمع يعدم المصباح، ليس بالضّرورة أن المصباح قد ارتكب جرما يستحق بسببه هذه العقوبة، فقد يضطر الشمع إلى ذلك عندما يجد أن قيمته قد تبخّرت بوجود المصباح الذي يفوقه في كل شيء، وقد لا يكون الشمع في مستوى يؤهله لإدراك قيمة المصباح وأهميته... هكذا هو حالنا على هذه الأرض، وفي هذا الزمن الذي أطلقوا عليه بهتانا وزورا العالم المتقدم. يتحالف الكثير من الحمقى والأغبياء لإعدام عاقل، ويتفق الكثير من الضعفاء لإنهاء بريق فطن قوي".
ذكّرتني هذه الصورة بصورة كاريكاتورية أخرى كانت متداولة في مواقع التواصل الاجتماعي زمن الثورات الديمقراطية، كنت قد رأيتها أكثر من مرة في الصفحات التي أُنشئت خصيصا لمصّ أحزان أمتنا قبل سنوات.
في الصورة رجل من رجال الشرطة يصفع عالما، يرد العالم قائلا:
- أنا دكتور !!
ويرد رجل السلطة بالعامية المغربية:
- واخا إكون عند الباك (حتى وإن حصلت على البكالوريا).
فبالرغم من تطوّر المجتمعات، وتحول السلطة والقوة والحروب من السلاح فقط إلى وسائل أذكى بكثير، لا تزال دوّلنا تقحم في أجهزتها الأمنية وحوشا بشرية غالبا ما يكون مستواها العلمي متدنيا، وغالبا ما تكون شروط ولوج هذه الخدمة مرتبطة بالطول وقوة العضلات، لأن الدولة تدرك منذ البداية أن فكرة القوة هي الحل في التواصل ما دامت قوة الفكرة منعدمة عندها.
يخرج الأطباء إلى الشارع مطالبون بحقوقهم، ويخرج رجال التعليم يطالبون باسترجاع كرامة المعلّم التي اغتصبت، ويعتصم الشباب المعطّل عن العمل من أصحاب الشهادات العليا طلبا لحقهم في الشغل بعد سنوات من التعب والسهر... كل هذه الفئات وغيرها لا سبيل أمام الدول -التي قامت على العنف- للتواصل معها إلا بالقمع والضرب والرفس.
أنى للغبي أن يدرك قيمة العالِم، وأنى للجاهل أن يدرك حاله الذي يجعله مقيدا بأفكار الظلام والعنف.