يوم منعنا المطربات من الغناء
لم نستطع، نحن السوريين المتربين في بيوت أهالينا على الأمر والنهي والزجر، التأقلمَ مع الحرية العالية وسرعة التواصل اللتين منحنا إياهما عالم الإنترنت، وتفرعاته الكبيرة كالبريد الإلكتروني والمواقع الإلكترونية، فأخذ جلدنا يحكنا، متشوقين للعودة إلى الوراء، وصرنا نتململ ونتأفف ونتذمر زاعمين أن هذا العالم الافتراضي له مساوئ كبيرة.
مثلاً، في إحدى السنوات، صدر قرارٌ غريب عن نقيب الفنانين السوريين، وهو شخص شبه أمي، عينه النظام السوري الأمني نقيباً للفنانين بسبب ولائه المطلق لبيت الأسد، يقضي القرارُ بمنع بعض المطربات اللبنانيات (الهابطات فنياً بزعمه) من الغناء في سورية، بقصد حماية الذائقة العامة من التلوث!
هب كتاب وصحافيون سوريون كثيرون لمناهضة ذلك القرار الغبي، وأوضحوا للنقيب المسكين أنه ما عاد أحد في العالم يستطيع أن يحمي من التلوث السمعي شخصاً لديه تلفزيون وساتلايت وخط مودم وموبايل، وأنه إذا كان النظام الأمني ما زال قادراً على كم أفواه الناس، من خلال مراقبة تلفوناتهم، والرسائل العادية، والتجسس على بيوتهم، وإجبارهم على مراجعة فروع الأمن في كل شاردة وواردة، فإنه لا يستطيع كَمَّ أبصارهم وآذانهم، ومنعهم من رؤية ما تعرضه الفضائيات والمواقع الإلكترونية.
وروى أحد الصحافيين، أثناء تناوله لهذا الموضوع، طرفة منقولة من كتاب "أخبار الحمقى والمغفلين" للعلامة ابن الجوزي، ملخصها أن أحد الملوك كان لديه طائر عزيز على قلبه، وفجأة طار مغادراً القصر، فأمر بإغلاق باب المدينة الذي يعبر منه البشر، فكأنَّ الطائر سيخرج من المدينة سيراً على الأقدام.
وهكذا سيداتي سادتي، بقي العالم من حولنا يتطور، ونظامنا السياسي يزداد غباء وحقارة وتخلفاً وإصراراً على إهانتنا، حتى كانت الثورة، فازداد نظامنا شراسة وغباء وتخلفاً وحقارةً إلى أن دمرت البلد، وتمزق نسيجها الاجتماعي وإرثها الحضاري وكل شيء فيها.