"سابع جار"... الدراما المصرية العائلية التي لا تمثل العائلة
بدأ هذه الايام عرض مسلسل مصري جديد وهو "سابع جار" تأليف هبة يسري وقصة وسيناريو وحوار آيتن أمين، ومن إخراج آيتن أمين ونادين خان، وبطولة مجموعة من الممثلين غير المصنفين كوجوه جديدة بل هي وجوه تظهر لأول مرة تم اختيارها بدقة شديدة حتى تعكس الملامح المصرية اليومية، التي نراها كل يوم بالفعل، بلا أدوات تجميل وبلا تنميق، الأمر الذي يترك بداخل المشاهد أثر الواقعية الشديدة، بالإضافة لبعض الممثلين الكبار كدلال عبد العزيز وشيرين كوجوه مريحة وشبيهة بالفعل لأمهاتنا بالمنازل.
تبدأ الحلقات الأولى بجو عائلي -جذب الجمهور خاصة جيل الثمانينيات والسبعينيات- بسبب الأجواء العائلية والمجتمعية التي نشأ عليها وسط ترابط، كنا نظنه تفككا في حينه قبل ثورة الإنترنت، ليتحول المسلسل من أجوائه اللطيفة المفعمة بالحنين والجو الأسري الواقعي إلى أجواء صادمة أخلاقيا تخالف الواقع المصري وتعكس واقعًا يكاد يكون نادرا داخل البيوت المصرية، لنجد أن المسلسل تحول لـ"كليشيهات" الدراما المصرية المعتادة (الإسلامي المتزمت غير المواكب للحياة برمتها، الفتاة المتحررة الناقمة على مجتمعها نظرا لأسباب من المفترض أن تدفعك للتعاطف معها، العاهرة التائبة التي تواجه المجتمع بأكمله، الفتاة التائهة بين ما تريد وما يُراد لها ولا تقبل بكل الحدود الموضوعة لها سواء دينية أو مجتمعية).
فنرى الفتاة المحجبة الملتزمة معقدة وترفض كل ما هو جديد حتى الكريمات المصنعة، وصولا لأفكار تنظيم الخطبة المعتادة بهذه الأيام، والشاب الملتزم دينيا، صاحب العيون الزائغة، شديد الطباع مع الملتزمة ومتسامحاً بشدة مع شقيقتها المتحررة. نرى نموذج الزوجة النكدية بلا سبب، وهي السبب الأساسي وراء هروب زوجها من النقاشات المنزلية.
المهندسة التي تسكن بمفردها في مكتبها وتكره نظرة المجتمع الظالمة لها بسبب ظنهم بها سوءا لتظل تردد "يولع الناس" لنفاجأ بأن نظرة المجتمع صحيحة وإن كان ظنهم حقيقة بعد تعاطفنا معها، إلى آخر الشخصيات التي جعلها المسلسل من حالات متواجدة بنسب ضئيلة في مجتمع يمثل غالبيته الجمهور المتفرج لحالة عامة، الأمر الذي جعلك تعيد التفكير في أهداف المسلسل الأساسية التي دفعتك بالأساس للارتباط به ومشاهدته... تكتشف فجأة غياب الجو الأسري لتحلّ مكانه وجوه قاتمة تريد أن تقنعك بأن هذا هو الواقع وعليك أن تقبل به، ويهددك إن لم تقبل به فأنت مثل ذلك الرجعي الذي يُلام في كل مشهد يأتي فيه على عدم قبوله للاختلاف لمجرد تمسكه بمعتقداته.
تشعر أن الإرهاب يمارس عليك بسبب رفضك لهذا الانحلال الفج وكم السموم القاتل لكل ما هو أخلاقي، وكل هذا من خلال مسلسل ارتبطتَ به ظنا منك أنه قد يعيدك لزمن الدراما العائلية الجميل كـ"ونيس" أو "أبو العلا البشري"، لتفاجأ بمسلسل خارج عن كل أعراف المجتمع الذي كان يأمل في دراما تمثله بشيء من الإنصاف ولو قليلا.
ما زال المسلسل في منتصفه ولا أعلم النهاية التي أتمنى أن تكون كجمال بدايته.