من الفرقة إلى الائتلاف
وفي الوقت ذاته، انقسمت التيارات السياسية العربية الإسلامية والقومية واليسارية وتبعثرت جهودها، ما أخّر طموحها في النهوض بالحالة المتردية للأمة، وخاصة أن الحالة التي نعيشها اليوم تحتاج إلى جهود كل التيارات والأطياف السياسية والثقافية والاجتماعية، موحدة وموجهة نحو أهدافٍ موحدة يتفق عليها الجميع وتلتقي عليها الجهود والطاقات، وخصوصاً في ما يتعلق بمواجهة المشروع الصهيوني واسترجاع فلسطين والقدس، وتحقيق عودة اللاجئين إليها.
وإزاء هذه الحالة الصعبة التي تعيشها الأمة، فإنه يتحتم على المثقفين والأكاديميين والباحثين وصناع القرار العرب، القيام بواجبهم تجاه أمّتهم والسعي بكل جديَّة لرسم خريطة طريق تتضمن الخطوات العملية، التي تقود الأمة للخروج من هذه الحالة؛ عبر طرح الأفكار الخلاقة الهادفة بمهنيَّة وأكاديمية ومسؤولية عالية، بعيداً عن النظرات الأيديولوجية الضيقة والحزبية المجردة، بحيث تشمل هذه الخريطة كل المكونات والقوى الحية الفاعلة في الساحة السياسية العربية.
إنَّ حالة التفكك والانقسام تحتاج إلى التحرك بمسارين متوازيين للخروج منها: المسار الأول يتعلق بالعلاقات العربية - العربية البينية، فتتم تصفية الخلافات العربية وفق قاعدة الاحترام المتبادل والحوار الأخوي الهادف، والعودة إلى قواعد العمل العربي المشترك لمواجهة التحديات والأخطار المحدقة بالأمة بكل مكوناتها، التي تستهدفها وجودياً وحضارياً وثقافياً.
أما المسار الثاني فيتعلق بالحالة الداخلية العربية، بين القوى السياسية الفاعلة الإسلامية والقومية واليسارية والوطنية، فيقود هذا المسار إلى إعادة اللحمة بين أبناء البلد الواحد، والاتفاق عبر الحوار الهادف على المشترك الجامع الذي يجمع هذه التيارات في بوتقة الجماعة الوطنية الواحدة، التي تضمن وحدة البلاد كما تضمن الأمن والسلم المجتمعي، عبر خلق جدار وطني صلب يتصدى للتحديات، ويعود بالبلدان إلى مسار التحول الديمقراطي والتقدم الاقتصادي والحضاري.
إن المصالحات الوطنية في البلاد العربية تحتاج إلى إرادة سياسية قوية من كل الأطراف الفاعلة، كما تتطلب التفكير المنفتح الذي يقبل الآخر من أبناء الوطن رغم الاختلاف معه فكرياً أو سياسياً أو في أي مجال آخر، لأن قاعدة ما يجمع أبناء البلد الواحد وقواه الحية أكبر بكثير مما يفرقهم، وإن انشغال القوى السياسية الحية ببعضها يتيح المجال أمام المشاريع الخارجية وأدواتها في بلادنا، للهيمنة على مقدرات الأوطان والتغول على الشعوب والعبث بمقدراتها، وتعطيل مسيرتها نحو التنمية والإصلاح والتطور على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أن غياب دور القوى الشعبية العربية الحية ومؤسسات المجتمع المدني يجعل العلاقات العربية - العربية مرهونة بتباينات ومصالح السلطات الحاكمة، وهذا الأمر يفاقم حالة الفرقة والتشتت التي تعيشها الأمة.
إن حالة الفوضى السياسية التي غرقت بها العديد من الدول العربية، حرفت دولاً عربية بارزة ومؤثرة عن دورها الإقليمي الفاعل، ما سمح بتقدم المشاريع المناوئة على حساب مشروع الأمة أيضاً.
وعليه، فنحن مطالبون أكثر من أي وقت مضى بطيّ صفحة الخلاف والفرقة، والانطلاق نحو تحقيق المشروع النهضوي الحضاري لأمتنا، ووقف الهدر الذي تعانيه في الطاقات والمقدرات والأرواح، وآمل أن تخرج هذه الندوة بما يكون مقدمة لمسارات جديدة تساعد الأمة على النهوض مجدداً لتتبوأ المكانة التي تستحقها بين الأمم والشعوب.