10 يناير 2021
قراءة تحليلية حول مؤتمر برلين لحل الأزمة الليبية
اختتم مؤتمر برلين المنعقد في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي حول الشأن الليبي، وقد شاركت في هذا المؤتمر 12 دولة، منها إلى جانب الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن (الولايات المتحدة - روسيا - الصين - بريطانيا - فرنسا) كل من ( تركيا - الجزائر - ألمانيا - مصر - الإمارات - الكونغو - إيطاليا)، فضلاً عن أربع منظمات دولية هي: (الأمم المتحدة - جامعة الدول العربية - الاتحاد الأفريقي - الاتحاد الأوروبي).
وهدف المؤتمر إلى إقرار نص من أكثر من خمسين نقطة جرى التفاوض بشأنه مسبقاً ويعالج مجموعة كبيرة من المسائل هي: إنشاء مجلس عسكري من كل طرف ليبي من أجل التفاوض بشأن المسائل الأمنية، وتشكيل هيئة سياسية جديدة تمثل الأطراف كافة، وإنشاء فريق اقتصادي للتعامل مع المسائل المثيرة للجدل، مثل توزيع الموارد النفطية وتوحيد المؤسسات الاقتصادية وإصلاح الإعانات. فهل نجح المؤتمر في تحقيق هذه الأهداف؟
للإجابة عن هذا التساؤل لا بد من توضيح مجموعة من النقاط تتمثل في:
وهدف المؤتمر إلى إقرار نص من أكثر من خمسين نقطة جرى التفاوض بشأنه مسبقاً ويعالج مجموعة كبيرة من المسائل هي: إنشاء مجلس عسكري من كل طرف ليبي من أجل التفاوض بشأن المسائل الأمنية، وتشكيل هيئة سياسية جديدة تمثل الأطراف كافة، وإنشاء فريق اقتصادي للتعامل مع المسائل المثيرة للجدل، مثل توزيع الموارد النفطية وتوحيد المؤسسات الاقتصادية وإصلاح الإعانات. فهل نجح المؤتمر في تحقيق هذه الأهداف؟
للإجابة عن هذا التساؤل لا بد من توضيح مجموعة من النقاط تتمثل في:
أن المؤتمر قد اتخذ خطوات فعلية لوقف إطلاق النار، تمثلت في تشكيل لجنة عسكرية مؤلفة من 10 ضباط، خمسة عن كل جانب (حفتر والسراج)، يقع على عاتقها أن تحدّد ميدانياً آليات تنفيذ وقف إطلاق النار، وهي من ستتولّى تحديد نقاط التماس بين قوات حفتر والسراج والمعسكرات التي ستعود إليها قوات الطرفين. أكثر من ذلك، هناك إمكانية لإرسال قوات حفظ سلام للمساعدة في تطبيق وقف إطلاق النار.
ولكن هذه النجاحات مرتبطة بالتزام الأطراف الداخلية والخارجية بما تم الاتفاق عليه، خاصة أن وقف إطلاق النار هو أقرب إلى الهدنة وليس وقفاً دائماً لإطلاق النار. كما أن وقف إطلاق النار سيكون على الأوضاع الحالية، وهو ما قد ترفضه حكومة الوفاق التي تطالب برجوع حفتر إلى ما قبل إطلاق حملته العسكرية في إبريل من العام الماضي.
كما أن هناك مؤشرات إلى عدم ثقة والتزام الأطراف الدولية بوقف إطلاق النار، وهو ما ظهر في إصرار الرئيس الفرنسي ماكرون على وقف إرسال مقاتلين سوريين إلى طرابلس ليبيا دعماً للحكومة الشرعية، متهماً تركيا بذلك، بينما الرئيس التركي أردوغان كان يطالب بضرورة وضع حد للموقف العدواني الذي يتبناه خليفة حفتر ضد الحكومة الشرعية. فضلاً عن إصرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أن تكون مصر والإمارات ضمن اللجان المشكلة لمراقبة وقف إطلاق النار.
أكثر من ذلك فإن خطوة إرسال قوات حفظ سلام تواجه أيضاً إشكالية من سيتولّى هذه المهمة، في ظل وجود رغبة أوروبية للعب هذا الدور من أجل انتزاع الملف الليبي من تركيا وروسيا، وفي المقابل فإن تركيا وروسيا رعاة هدنة وقف إطلاق النار في موسكو تريان نفسيهما الأحق بهذا الدور.
أن هناك تطوراً في مسار الحل السياسي، إذ تم الاتفاق على عقد قمة ليبية-ليبية في جنيف، من أجل تشكيل حكومة موحدة مهمتها التحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية.
إلا أن هذه الخطوة تواجهها مجموعة من التحديات، منها: إصرار حفتر والسراج على عدم التفاوض المباشر، باعتبار أن ذلك يمثل اعتراف كل منهما بشرعية الآخر، وهو ما يرفضه الطرفان. كما أن تشكيل الحكومة الموحدة تعني موافقة كل طرف على ما حققه الطرف الآخر من مكاسب، أي موافقة السراج على احتفاظ حفتر بالمواقع التي اكتسبها بعد حملته العسكرية في إبريل الماضي، مقابل موافقة حفتر على شرعية الاتفاقيات التي وقعتها حكومة الوفاق مع تركيا. فضلاً عن إمكانية الخلاف بين الطرفين حول سلطات وصلاحيات المجلس الرئاسي والحكومة الجديدة، بجانب الخلاف حول الشخصيات التي ستتولّى قيادة بعض المناصب، خاصة قيادة الجيش. فهل تؤدّي هذه الخلافات إلى تشكيل حكومة جديدة تتجاوز حفتر والسراج؟
نقطة أخرى، وهي الإجماع على تحييد النفط من الصراع، فقد كان بند حماية النفط الليبي محل إجماع دولي في مؤتمر برلين، وقد توافق المشاركون على ما اعتبروه "توزيعاً عادلاً وشفافاً لعائدات النفط"، شرط الاعتراف بالمؤسسة الوطنية للنفط باعتبارها الكيان الوحيد المسموح له ببيع الخام، ودعوا جميع الأطراف إلى الامتناع عن الأعمال العدائية ضد المنشآت النفطية.
ويبدو أن هناك إشكالية تواجه هذه النقطة تتمثل في إصرار حفتر على تشكيل إدارة جديدة لمؤسسة النفط بطرابلس تقوم على مبدأ المحاصصة المناطقية في توزيع عائدات النفط، وإخراج المؤسسة من شكلها الإداري المركزي في طرابلس.
ولعل تلك الإشكالية هي ما دفعت حفتر نحو إشهار سلاح الحظر النفطي ضد حكومة الوفاق، فقد أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط أن إنتاج النفط في البِلاد تراجع بنسبة 73 بالمائة من جراء الحِصار الذي تفرضه قوات حفتر على موانئ تصدير النفط وآباره في الشرق والجنوب.
ويهدف حفتر من خلف ذلك إلى تعجيز المصرف المركزي الليبي عن تسديد مرتبات موظفي الدولة، ما يعنى تأليبهم ضد حكومة الوفاق، مضافاً إلى ذلك توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي بأنه ما زال صاحب القبضة الأقوى في الصراع الليبي. وحتى الآن، وبعد مُرور عدة أيام على الحظْر على صادرات النفط الذي فرضه حفتر بالقوة، لا يوجد أي مؤشر على تدخل أي من الأطراف على رفعه بالقوة أو بالدبلوماسية، وهذا يعني فشل منظومة لِقاء برلين في تحقيق أي اختراقٍ في الأزمة الليبية، ولا نستبعد أن يكون هناك دعم خفي لهذه الخطوة، أي الحظر من دول كبرى. ثم إن المؤتمر لم يفرض أو حتى يلوح بفرض عقوبات على أي طرف من الأطراف يخلّ بقرار وقف إطلاق النار أو الرافض للحلول السياسية.
يظهر المؤتمر محاولة لضرب التحالف الداعم للشرعية والتي تمثلها حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، فلم تتم دعوة قطر وتونس والمغرب، كما أن الدور التركي البارز سياسياً ينظر إليه الأوروبيون بعين الشك وعلى أنه تهديد لمصالحهم.
ولكن هذه النجاحات مرتبطة بالتزام الأطراف الداخلية والخارجية بما تم الاتفاق عليه، خاصة أن وقف إطلاق النار هو أقرب إلى الهدنة وليس وقفاً دائماً لإطلاق النار. كما أن وقف إطلاق النار سيكون على الأوضاع الحالية، وهو ما قد ترفضه حكومة الوفاق التي تطالب برجوع حفتر إلى ما قبل إطلاق حملته العسكرية في إبريل من العام الماضي.
كما أن هناك مؤشرات إلى عدم ثقة والتزام الأطراف الدولية بوقف إطلاق النار، وهو ما ظهر في إصرار الرئيس الفرنسي ماكرون على وقف إرسال مقاتلين سوريين إلى طرابلس ليبيا دعماً للحكومة الشرعية، متهماً تركيا بذلك، بينما الرئيس التركي أردوغان كان يطالب بضرورة وضع حد للموقف العدواني الذي يتبناه خليفة حفتر ضد الحكومة الشرعية. فضلاً عن إصرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أن تكون مصر والإمارات ضمن اللجان المشكلة لمراقبة وقف إطلاق النار.
أكثر من ذلك فإن خطوة إرسال قوات حفظ سلام تواجه أيضاً إشكالية من سيتولّى هذه المهمة، في ظل وجود رغبة أوروبية للعب هذا الدور من أجل انتزاع الملف الليبي من تركيا وروسيا، وفي المقابل فإن تركيا وروسيا رعاة هدنة وقف إطلاق النار في موسكو تريان نفسيهما الأحق بهذا الدور.
أن هناك تطوراً في مسار الحل السياسي، إذ تم الاتفاق على عقد قمة ليبية-ليبية في جنيف، من أجل تشكيل حكومة موحدة مهمتها التحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية.
إلا أن هذه الخطوة تواجهها مجموعة من التحديات، منها: إصرار حفتر والسراج على عدم التفاوض المباشر، باعتبار أن ذلك يمثل اعتراف كل منهما بشرعية الآخر، وهو ما يرفضه الطرفان. كما أن تشكيل الحكومة الموحدة تعني موافقة كل طرف على ما حققه الطرف الآخر من مكاسب، أي موافقة السراج على احتفاظ حفتر بالمواقع التي اكتسبها بعد حملته العسكرية في إبريل الماضي، مقابل موافقة حفتر على شرعية الاتفاقيات التي وقعتها حكومة الوفاق مع تركيا. فضلاً عن إمكانية الخلاف بين الطرفين حول سلطات وصلاحيات المجلس الرئاسي والحكومة الجديدة، بجانب الخلاف حول الشخصيات التي ستتولّى قيادة بعض المناصب، خاصة قيادة الجيش. فهل تؤدّي هذه الخلافات إلى تشكيل حكومة جديدة تتجاوز حفتر والسراج؟
نقطة أخرى، وهي الإجماع على تحييد النفط من الصراع، فقد كان بند حماية النفط الليبي محل إجماع دولي في مؤتمر برلين، وقد توافق المشاركون على ما اعتبروه "توزيعاً عادلاً وشفافاً لعائدات النفط"، شرط الاعتراف بالمؤسسة الوطنية للنفط باعتبارها الكيان الوحيد المسموح له ببيع الخام، ودعوا جميع الأطراف إلى الامتناع عن الأعمال العدائية ضد المنشآت النفطية.
ويبدو أن هناك إشكالية تواجه هذه النقطة تتمثل في إصرار حفتر على تشكيل إدارة جديدة لمؤسسة النفط بطرابلس تقوم على مبدأ المحاصصة المناطقية في توزيع عائدات النفط، وإخراج المؤسسة من شكلها الإداري المركزي في طرابلس.
ولعل تلك الإشكالية هي ما دفعت حفتر نحو إشهار سلاح الحظر النفطي ضد حكومة الوفاق، فقد أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط أن إنتاج النفط في البِلاد تراجع بنسبة 73 بالمائة من جراء الحِصار الذي تفرضه قوات حفتر على موانئ تصدير النفط وآباره في الشرق والجنوب.
ويهدف حفتر من خلف ذلك إلى تعجيز المصرف المركزي الليبي عن تسديد مرتبات موظفي الدولة، ما يعنى تأليبهم ضد حكومة الوفاق، مضافاً إلى ذلك توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي بأنه ما زال صاحب القبضة الأقوى في الصراع الليبي. وحتى الآن، وبعد مُرور عدة أيام على الحظْر على صادرات النفط الذي فرضه حفتر بالقوة، لا يوجد أي مؤشر على تدخل أي من الأطراف على رفعه بالقوة أو بالدبلوماسية، وهذا يعني فشل منظومة لِقاء برلين في تحقيق أي اختراقٍ في الأزمة الليبية، ولا نستبعد أن يكون هناك دعم خفي لهذه الخطوة، أي الحظر من دول كبرى. ثم إن المؤتمر لم يفرض أو حتى يلوح بفرض عقوبات على أي طرف من الأطراف يخلّ بقرار وقف إطلاق النار أو الرافض للحلول السياسية.
يظهر المؤتمر محاولة لضرب التحالف الداعم للشرعية والتي تمثلها حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، فلم تتم دعوة قطر وتونس والمغرب، كما أن الدور التركي البارز سياسياً ينظر إليه الأوروبيون بعين الشك وعلى أنه تهديد لمصالحهم.