لا تزال أعمال توفيق الحكيم الأكثر استعادة في المسرح الرسمي حتى اليوم لأسباب عديدة، أولها حضوره الواسع في المدونة الرسمية منذ منتصف القرن العشرين، بل ربما لم يحظ كاتب باهتمام السلطة في مصر أكثر منه، وثانيها تنوّع المواضيع التي تطرّق إليها في مسرحياته وطبيعة تناوله الرمزي معها، والذي يتيح استدعاءها في أي زمان وأي مكان.
يتواصل خلال الأشهر الماضية عرض مسرحية الكاتب المصري (1898 – 1987) التي تحمل عنوان مسرحية "الدنيا رواية هزلية" من إخراج رامي نادر التي يتمّ فيها توظيف تناسخ الأرواح فيها لمقاربة العديد من الأزمات الاجتماعية والسياسية، وكذلك مسرحية "الطعام لكل فم" من إخراج طارق نادر التي تتناول بأسلوب ساخر نظام العبودية الذي يعيشه العالم.
"إيزيس" عنوان مسرحية توفيق الحكيم التي تُعرض عند التاسعة والربع من مساء الجمعة، الثالث والعشرين من الشهر الجاري، على خشبة مسرح "مركز الفنون" التابع لمكتبة الإسكندرية، ويتواصل عرضها لثلاثة أيام متتالية في الموعد نفسه.
العمل من إخراج مي عبد الرازق، ودراماتورجيا وأشعار علي عثمان، واضاءة محمد الماموني، وموسيقي وتوزيع جون موسي، وألحان عبد الرحمن إبراهيم، ويركّز النص على الروابط الوشيجة بين شهرزاد وإيزيس في علاقة كل منهما بزوجها، بحسب توصيف الحكيم الذي استند فيه إلى أن "كلتيهما قد فعلت شيئًا مجيدًا لزوجها".
تتكئ المسرحية على صراع أساسي مثّله كلّ من أوزيريس (زوج إيزيس) وسخت أو طيفون، هو نموذج للصراع بين رؤيتين مختلفتين للحياة؛ الأولى تستند إلى نظرة مثالية خالصة ترى أن الحكم ينبغي أن يقوم على أشرف الأدوات وأنبلها، وأن يسعى إلى إلى الخير المحض ونفع الشعب, دون أدنى اهتمام بالمصالح الشخصية، بينما ينطلق سخت من نظرة مادية نفعية شريرة تعتقد أن الوصول إلى الحكم لا يمكن أن يتم عن طريق ذلك إلا عن طريق الخداع والخيانة.
وفق تلك الرؤية، تبرز إيزيس كونها التجسيد الرمزي للوسطية والتوفيق بين المثال والواقع، فهي لا تميل إلى أي من الطرفين طوال المسرحية، وهي ترفض الإقامة في برج عاجي بمعزل عن الناس وهي لا تتوانى عن الاستفادة من الأساليب التي يرفضها زوجها ما ظلت هذه الأساليب لازمة لتحقيق العدل والخير والجمال والحق في هذه الأرض.