قبل قرابة شهر، احتضَن "غاليري آرت كورنر" في القاهرة معرضاً للتشكيلية المصرية غادة النجّار، بعنوان "حكايات ريّا وسكينة"، ضمَّ قرابة ثلاثين لوحةً أنجزتها في السنوات الأخيرة، واستلهمتها من حكاية السيّدتَين اللتين تذكُر مراجع تاريخية بأنَّ صيتهُما ذاع في بداية عشرينيات القرن الماضي، بسبب تكوينهما عصابةً في مدينة الإسكندرية لاستدراج النساء وقتلهنّ بهدف السرقة.
من خلال حكايات ريّا وسكينة، اقتربت لوحاتُ المعرض من أجواء الإسكندرية خلال العشرينيات، وهي الفترة التي تُخصّص لها النجّار معرضَها الجديد، "الإسكندرية 1920"، الذي افتُتح الأحد الماضي في "المركز الثقافي الفرنسي" بالإسكندرية، ويتواصل حتى السادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير الجاري.
هذا هو المعرض العاشر للتشكيلية المصرية، وفيه أربعون لوحةً رسمتها بتقنية الأكريليك على القماش بأحجام مختلفة، ضمن أسلوبٍ يقترب من التكعيبية الواقعية. وكما في معرضها السابق، تحضر في المعرض الحالي وجوهٌ وأماكن مرتبطةٌ بقصّة ريّا وسكينة؛ مثل "حيّ اللبّان" الذي عاشتا فيه، و"زنقة الستّات"؛ أحدِ الأمكنة التي كانتا تصطادان فيها ضحاياهُما، وهو شارع ضيّقٌ كانت السكندريّات - ولا زلن إلى اليوم - تقصدنه لشراء أغراضهنّ.
إضافةً إلى ذلك، تحضر في لوحات المعرض مظاهر من الحياة اليومية في الإسكندرية خلال العشرينيات: شواطئ وشمسيّات وفتياتٌ بملابس البحر، حفلاتٌ وأعراس وطقوس زار، نساءٌ في الشارع أو البيت بأزيائهنّ الشعبية؛ مثل "الملّايات اللفّ" والمنديل السكندريّ والفستان السكندريّ، نساءٌ أرستقراطيات، فنادقُ ومقاهٍ قديمة، سوق سمك. ثمّة أيضاً لوحاتٌ عن الفرَق الفولكلورية التي كانت تأتي إلى المدينة من جنوب مصر، والآلات الموسيقية المنتشرة في تلك الفترة، مثل الربابة، إلى جانب العود والكمنجة.
تحضر في اللوحات وجوه وأماكن مرتبطة بقصّة ريّا وسكينة
في حديثٍ إلى العربي "العربي الجديد"، تقول غادة النجّار إنَّ المعرض هو تكملةٌ للسابق، لكنّه أشمل منه؛ حيث "كان اشتغالي على شخصيّتَي ريّا وسكينة، وبقيّة الشخصيات التي تنتمي إلى عصابتهما، مثل حسب الله وعبد العال، مدخلاً إلى رسم المدينة خلال العشرينيات". وتوضّح: "بدأَت حكاية المعرض مِن صُوَر فوتوغرافية، وجدتُها على الإنترنت، لأفراد العصابة التي أثارت الذعر في الإسكندرية عامَي 1919 و1920. اعتمدتُ على هذه الصُّوَر كمصدرٍ يُقرّبني من أجواء تلك الحقبة في لوحاتٍ حملت أسلوبي وانطباعي الذاتي عن تلك الشخصيات".
تُضيف: "لاحقاً، توسّعتُ أكثر في البحث في تلك الفترة، بالاعتماد على صُور فوتوغرافية وأفلام وثائقية عن الإسكندرية وأُخرى روائية قديمة صُوّرت فيها، وأيضاً من خلال زيارة الأسواق والمقاهي والمعالم القديمة مثل 'قلعة قايتباي'، واقتناء الملابس الدارجة في العشرينيات، والتي استعنتُ بـ'موديلات' لرسمها".
إلى جانب الحياة الشعبية والأزياء التقليدية ذات الألوان البرّاقة التي كانت سائدةً في المدينة، يحضُر في لوحاتٍ أُخرى الطابعُ الأرستقراطي للمدينة التي تُشير النجّار إلى أنّها عاشت "فترة ذهبية" خلال العشرينيات، بفضل التنوُّع الثقافي الذي كان موجوداً فيها، قبل أن تختتم حديثها إلى "العربي الجديد" بالقول: "أرسُم الإسكندرية في العشرينيات لأنّني أحبُّ هذا الفترة، ولطالما وددتُ لو أنّني عشتُ فيها".