عادةً ما تُشكّل الصراعات والحروب الأهلية محفّزاً لاستعادة الذاكرة، وللكتابة، من زوايا مختلفة، عن تاريخ البلدان التي تشهدها، كما في محاولة الشاعر والصحافي اليمني أحمد الشلفي في كتابه "الرحيل عن الجنة"، الذي صدر أخيراً عن "دار روزا للنشر".
يمزج الكاتب بين البعد السيَري وبين توثيق محطّات أساسية عاشها اليمن خلال العقود الأخيرة، فيروي طفولته ومراحل تعليمه، بداياته في الصحافة اليمنية خلال عقد التسعينيات وحتى مغادرته البلاد عام 2014. لكنّه يعالج في الوقت نفسه التضييق الذي مارسه نظام علي عبد الله صالح على الصحافيين، كما يقدّم شهادات لناس عايشوا حرب حرب الحوثيين في صعده عام 2004، والحراك الجنوبي عام 2007.
مزجٌ بين البُعد السيَري وتوثيق محطّات أساسية عاشها اليمن خلال العقود الأخيرة
ويقف الشلفي أيضاً عند الحراك الشعبي اليمني في ثورة شباط/ فبراير عام 2011، تزامناً مع الانتفاضات الشعبية التي شهدتها عدّة بلدان عربية، وكيف قادت جملة عواملٍ إلى اندلاع الحرب في اليمن عام 2014، والتي تتواصل إلى اليوم، في تحليل وقراءة لأبرز أحداثها ورموزها السياسية.
ويشير في المقدّمة إلى أنّ كتابه عبارة عن رحلة شخصية وثَّقها على هذا النحو توخيّاً للموضوعية والأمانة، موضحاً بأن "هناك جدلاً حول تسميتها 'سيرة ذاتية' أوسرداً أو مقالات أو توثيقاً، والمهم أنّه مؤلّف بوحدة موضوعية قصتُها شخصٌ عاش فترة في بلد أحبّه".
يمثّل الكتاب الجزء الأول من ثلاثية يعمل المؤلّف على إنجازها، والتي بدأها من خلال نشر حلقات منها على مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيار/ مايو الماضي. ويهتمّ الكاتب بالتعقيبات والردود التي تصله حول ما ينشر، من أجل التحقّق من رواية العديد من التفاصيل.
يقول في مقابلة صحافية سابقة حول خياره: "أختار أن أكتب أولاً للجمهور في فيسبوك، وفي الصحافة المحلية، لسببين. الأول؛ أنني كنت بحاجة إلى أن يقرأ الفاعلون الحقيقيون الذين وردت أسماؤهم في الكتاب ما كتبت، ويساهموا في التدوين، والرد، والتصحيح إذا سقطت مني معلومة، وقد حدث هذا فعلاً... أما السبب الثاني فهو: الحفاظ على استمرارية الكتابة، والالتزام بها، لإنجاز المشروع".
يُذكر أن أحمد الشلفي يعمل محرّراً للشؤون اليمنية في "قناة الجزيرة". وصدرت له أربع مجموعات شعرية هي: "تحولات الفتى والمساء" (2000)، و"جرح آخر يشبهي" (2004)، و"يد غافلته" (2016)، و"قمر يتبعني" (2019).