"السريالية والسحر": طريق للفرار من كوارث الواقع

09 اغسطس 2022
"أوروبا بعد المطر II" لـ ماكس إرنست، من المعرض
+ الخط -

ارتبطت السريالية منذ انطلاقتها بالأحلام والعقل اللاواعي، واقترنت فلسفتها بالقدرة على تطوير أدوات لتحرير الخيال البشري، حيثُ شكّلت الألعاب الذهنية مجالاً خصباً لروّادها في الفن والأدب، ما جعل أفكارها تنتشر بسرعة كبيرة عابرة للحدود في لحظة كان اليأس يعمّ أوروبا بفعل حرب كونية ذهب ضحيّتها عشرات الملايين.

لكن ربما لم يحظ السحر بالتفات من الباحثين في تاريخ من أبرز الحركات الفنية في القرن العشرين، والتي يعود الاهتمام إليها في أكثر من معرض أُقيم خلال السنتين الماضيتين في بلدان مختلفة، ويبدو كأن الأزمات المعاصرة مثل جائحة كورونا والتغيّر المناخي والغزو الروسي لأوكرانيا، تؤكّد أن السريالية لم تمت.

عمل لـ ليونورا كارينغتون، من المعرض
عمل لـ ليونورا كارينغتون، من المعرض

"السريالية والسحر: الحداثة المسحورة" عنوان المعرض الذي افتُتح في "متحف بيغي غوغنهايم" بمدينة البندقية الإيطالية في الثاني والعشرين من نيسان/ أبريل الماضي ويتواصل حتى السادس والعشرين من الشهر الجاري. علماً بأن المعرض سينتقل إلى "متحف باربيريني" بمدينة بوتسدام نهاية الشهر المقبل.

الأعمال الأربعة والخمسين المعروضة توضّح كيف تبنّى العديد من السرياليين السحر بما في ذلك المفاهيم والتصوّرات المتعلّقة بالكيمياء والتنجيم والسحر، باعتبارها منطلقاً للثورة والمقاومة، حيث أرادوا ببساطة "تغيير العالم في وقت كانت هناك حاجة ماسة إليه"، بحسب بيان المنظّمين.

عمل لـ فيكتور براونر، من المعرض
عمل لـ فيكتور براونر، من المعرض

هناك لحظة مفصلية أزاحت السريالية من الواقع نحو عالم أسطوري، حدث ذلك حين اجتمع مجموعة من أشهر رموزها في قصر بالقرب من مرسيليا خلال شتاء 1940؛ العام الثاني من الحرب العالمية الثانية، في انتظار تأشيراتهم للهروب من أوروبا التي مزّقها القتال.

نفّذ مؤسس الحركة الشاعر والرسام الفرنسي أندريه بريتون ومعه ماكس إرنست وفيكتور براونر وآخرين في تلك الفترة، مشاريع مشتركة تعتمد على الألعاب في محاولة لتزجية الوقت البطيء على وقع القنابل والانفجارات، وكان من جملة تلك المشاريع "أوراق التاروت" التي حملت صور شخصياتهم المفضّلة مثل المحلّل النفسي سيغموند فرويد والعرافة هيلين سميث التي عاشت خلال القرن التاسع عشر، والكيميائي باراسيلسوس من عصر النهضة وكان رجلاً غريب الأطوار.

عمل لـ دوروثيا تانينغ، من المعرض
عمل لـ دوروثيا تانينغ، من المعرض

بعد انتهاء الحرب، غاص بعض السرياليين في منفاهم بالولايات المتحدة في عالم السحر أكثر فأكثر، ومنهم كورت سيليغمان الذي لا يزال شخصية غامضة حتى اليوم، حيث خصّصت إحدى قاعات المتحف لأعماله التي نفّذها خلال الأربعينينات.

تغلغل السحر في المعارض والمنشورات السريالية في ذلك الوقت، وظهر بوصفه "قوة تحرّر في سياق مضطهد"، وامتلأت لوحات الفنانات ليونورا كارينغتون وريميديوس فارو وليونور فيني ودوروثيا تانينغ بالمخلوقات الخيالية وشخصيات أنثوية أسطورية.

لا تبدو أن استعادة السريالية تتوقّف عند هذا الحد، إذ تم اختيار "حليب الأحلام" عنواناً للدورة الحالية من "بينالي البندقية" وهو عنوان كتاب الكاتبة والفنانة السريالية المكسيكية ليونورا كارينغتون، ويتضمّن تسع نصوص قصصية غرائبية ورسومات رسمتها كارينغتون على جدران منزلها وعلى أوراق صغيرة، جُمعت في كتاب لا يزال عنوانه جذاباً ومثيراً في مواجهة واقع لا تنتهي فيه الحروب والصراعات والكوارث. 
 

المساهمون