مع النظريات الحديثة في اللسانيات والأدب، ساد اعتقاد بأن البلاغة مجال معرفي قد اندثر، أو بالأحرى تفرّق دمه بين التخصّصات، ولم يعد هناك معنى لدراسة مسائل مثل التشبيه والاستعارة وغير ذلك.
المفارقة أن البلاغة التي بدت منتهية الصلوحية في موطنها الأصلي، النص الأدبي، قد وجدت مجالات تحرّك جديدة أبرزها الخطاب السياسي والإعلانات، وذلك ما يُبرزه الباحث كليمون فيكتوروفيتش في عمله الصادر مؤخراً عن منشورات "سوي" وعنونه بـ"السلطة البلاغية".
يعتبر المؤلف أن البلاغة لم تغب من الخطاب البشري، من الأدب إلى الحياة العامة، وهذ غير ممكن أصلاً. ما حدث هو أنه جرى إنكار وجودها من المؤسسة العلمية وهي تبحث عن إطلاق مشاريع جديدة.
لا يتصدّى فيكتوروفيتش لقضية البلاغة من منظور متخصّص، فلا هو باحث في اللسانيات ولا حتى ناقد أدبي، إنما هو باحث في العلوم السياسية، وكتابه "السلطة البلاغية" ينتمي إلى سياق محاولة فهم تضخّم الخطاب السياسي في فرنسا اليوم قبل أشهر من الرهان الانتخابي.
يذكّر فيكتوروفيتش بأن عمله لا ينبغي أن يُقرأ فقط من زاوية العلوم السياسية وحدها، بحيث يصبح مجرّد تدريب على استعمالات البلاغة في الخطاب السياسي، بل هو تذكير بأن العقل السياسي يوظّف كل ما حوله حتى تلك المباحث التي تعتبر الأكاديمية اليوم بأنها انتهت.