"العدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي": دراسات عن التجربة التونسية

18 اغسطس 2022
من مظاهرة في تونس العاصمة لضحايا الاعتقالات والتعذيب، 2015 (Getty)
+ الخط -

بعد أيام قليلة من صدور المجلّد الأوّل، صدر حديثًا عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، ضمن سلسلة "دراسات التحول الديمقراطي"، المجلّد الثاني من كتاب "العدالة الانتقالية والانتقال الديمقراطي في البلدان العربية"، والذي خُصّص لـ "التجربة التونسية".

العمل، الذي يتألف من اثني عشر فصلًا، من تأليف مجموعة من الباحثين؛ هُم: أمين بن مسعود، وخالد الكريشي، وصوفية حنازلة، وعادل العياري، وعدنان الإمام، وعدنان نويوة، وفتحي التوزري، ولطيفة طرشونة، ومحمد الطاهر خنيسي، ومحمد ليمام، ومنير السعيداني، ونور الدين العلوي، ومن تحرير مهدي مبروك.

وخُصّص هذا المجلّد لتحليل مسار تشكّل العدالة الانتقالية في تونس ودور مختلف الفاعلين ضمنه ومآلاتها التي ما زالت تثير العديد من الأسئلة؛ حيث يبحث الكتاب في المدونّة القانونية الوطنية والدولية التي أطّرت مقاربة العدالة الانتقالية ورسمت ملامحها، ويطمح إلى تحليلها، كما يهدف إلى تقويم أداء مهمات هيئة الحقيقة والكرامة، إضافة إلى تركيزه على دور المجتمع المدني والنخب ووسائل الإعلام وضحايا الانتهاكات في هذا المسار.

يبحث العمل في محاور عدّة؛ من بينها "سياسات مكافحة الفساد في إطار العدالة الانتقالية في تونس"؛ حيث يرى أنّ العدالة الانتقالية المرتبطة بمكافحة الفساد لم تشذّ عن الانطباع المبني على عدم نجاحها في تحقيق أهم أهدافها، غير أنّ ذلك يجب ألا يؤدي إلى إعلان الفشل النهائي لهذا المسار؛ نظرًا إلى تواصل مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، والذي يعتبر المجال الوحيد الممكن لتطهير الحياة العامة والحياة السياسية من الفساد.

ويذهب الكتاب إلى أن إعادة إطلاق جهود المصالحة الاقتصادية أضحت اليوم ضرورة لتطهير الحياة السياسية من المال الفاسد؛ ما من شأنه أن يدعم مسار الانتقال الديمقراطي، مُضيافًا أن ذلك يتطلّب استكمال مسار العدالة الانتقالية على نحو مطابق لقواعد قانون العدالة الانتقالية ومبادئ الدستور، وبطريقة تُحيّد الاعتبارات السياسية الظرفية.

في مقابل ذلك، تبرز أهمية الدولة الديمقراطية في كونها الإطار الأنسب لإيجاد بيئة طاردة للفساد؛ فهذه الدولة ليست خالية من الفساد، لكن ترسّخ الآليات الديمقراطية الإجرائية واتساع نطاق الحريات والفصل الواضح بين السلطات، تُعتبر عناصر تضمن المساءلة والمحاسبة وتساعد في المحاصرة الناجعة للفساد، بينما يؤدي الاستبداد وغياب الديمقراطية إلى التغييرات العنيفة التي لا تضمن انتقالًا ديمقراطيًا ولا مكافحة فساد.

العدالة الانتقالية المجلد الثاني - القسم الثقافي

ويتناول الكتاب أيضًا موضوع "العدالة الانتقالية: المجتمع المدني والنخب"؛ حيث يرى أنّ التجربة التونسية لم تشذّ عن عدد من تجارب الانتقال الديمقراطي التي تكون ميزتها الأساسية ذلك الصراع بين مساند ومنتقد ومعترض، وتؤكد أيضًا أن أول أهداف عودة النظام السابق، قبل استكمال مسار العدالة الانتقالية، إيقاف المسار وإرباكه.

وعلى هناتها تتميز التجربة التونسية، حسب الكتاب، بأنّها طبّقت المنظومة الشاملة للعدالة الانتقالية القائمة على كشف الحقيقة وتحديد المسؤوليات وجبر الضرر للضحايا وإصلاح المؤسسات، ويُقرّ المهتمون بمسألة العدالة الانتقالية بأن هذا النموذج يبقى من أكثر النماذج صعوبة وتعقيدًا، ولذلك يكون عرضة لانتقادات جمّة، ومن مختلف الأطراف، إلا أنه يبقى الأفضل لتحقيق المصالحة الشاملة، وهو ما لم يتحقق في التجارب المقارنة التي اعتمدت نماذج مختلفة.

وبناءً على ذلك، يخلص إلى أنّ نجاح نموذج أو فشل آخر يبقى رهين استراتيجيات الفاعلين والموارد التي بحوزتهم، وسرعة التكيف مع إكراهات السياق. ولذلك سيبقى الصراع بين من يؤمنون بفكرة النظام الديمقراطي ومن يحنّون إلى استرجاع الأنظمة المتسلطة، مفتاح نجاح تجارب التحول الديمقراطي في العالم.

وفي محور "التقييم والنظرة إلى المستقبل" يُلاحظ الكتاب بأن كثرة الصراعات داخل "هيئة الحقيقة والكرامة" وكثرة صداماتها مع مؤسسات الدولة ونقص الكفاءة القانونية على مستوى مجلسها، عوامل جعلت التقييمات المقرّة بفشل الهيئة طاغية على التقييمات المساندة لها. لكن على الرغم من ذلك، فإنه وجب تثمين ما وقع إنجازه عبر التعريف بالتقرير الختامي للهيئة والدفع من أجل تنفيذ التوصيات المدرجة فيه لترسيخ المسار الديمقراطي وتكريس منظومة حقوق الإنسان في مجتمع ديمقراطي، حيث إن بعض الاتجاهات الحديثة أضحى يطالب باستكمال المسار أو استئنافه، ولعل أغلبية هذه الأصوات مكوّنة من الضحايا، وهم أول المعنيين بمسار العدالة الانتقالية.

ويخلص العمل إلى أنّ الخيارات متعدّدة حول مستقبل العدالة الانتقالية، وهو ما يفرض ضرورة الحوار وإبقاء الهمم مستيقظة والإيمان راسخًا بالعدالة الانتقالية بديلًا حضاريًا من عدالة الانتقام والتشفّي، وهو ما يفرض التفاف الجميع، بمن في ذلك من ساهم في المسار سلبيًا أو إيجابيًا حتى تُتاح الفرصة لتنقية المناخ وبناء أعمدة الثقة والتسامح والعدل ليكون القانون رافعة للفصل الأخير من فصول العدالة الانتقالية في تونس.

المساهمون