كما في غيرها من البلدان التي تعيش تعدُّدية ثقافية ولغوية، تُشكّل المسألة اللغوية في الجزائر - التي يتحدّث سكّانُها لغتَين أساسيّتَين هما العربية والأمازيغية بمختلف لهجاتها - موضوعاً شائكاً لا يُطرَح من دون أنْ يثير سجالات وحساسيات تقوم على الخلافات الثقافية والأيديولوجية؛ وهي خلافاتٌ تتغذّى، في جزءٍ منها، على مسألةٍ أُخرى تبدو ذات صلةٍ وثيقة باللغة، هي مسألةُ الهوية.
هذه العلاقةُ بين المسألتين؛ اللغة والهوية، كانت واحداً من مواضيع عدّة تطرّق إليها المشاركون في الندوة الدولية السابعة عشرة حول "حقوق اللغات: الترجمة، الثقافات والهويات"، التي احتضنتها "جامعة مولود معمري" بمدينة تيزي وزّو على مدار الأيام الثلاثة الماضية.
من المتدخّلين في الندوة، التي اختُتمت أشغالُها أمس الأربعاء، الباحثةُ والأكاديمية نورة تيغزيري التي خصّصت ورقتها للنظر في العلاقة بين اللغة والهوية، وهي العلاقة التي وصفتها بالمعقَّدة جدّاً، لكنّها شدّدت على أنّ إحداهما ليست مرتبطةً بالاُخرى بالضرورة.
تعتبر الأستاذة في "جامعة مولود معمري" أنّ استعمال أو تكلُّم لغة ما لا يعني بالضرورة الانتماء إلى ثقافة تلك اللغة"، مستدلّة، في ذلك، بالأشخاص الناطقين باللغة الفرنسية عبر العالَم، بالرغم من كونهم ينتمون إلى ثقافات وهويات مختلفة.
وفي السياق، أشارت تيغزيري إلى نتائج استطلاع رأي أُجري عام 2003 لدى الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا (أكثر من خمسة ملايين نسمة)، والتي بيّنت أنّ الجزائريّين المقيمين في هذا البلاد، وكثيرٌ منهم وُلدوا خارج الجزائر، مرتبطون بثقافتهم الأصلية، رغم أنّهم يتحدّثون اللغة الفرنسية، وجزءٌ كبير منهم لا يعرف لغته الأصلية (العربية أو الأمازيغية).
من جهتها، تحدّثت نيكول كارينيان من "جامعة كيبيك" عن أهمية الحفاظ على "اللغات الأُمّ"، مُشيرةً إلى أنّ الندوة الدولية "شجّعت كثيراً من البلدان على سنّ قوانين لحماية اللغات المعروفة باسم اللغات الثانوية".
يُشار إلى أنّ الندوة، التي أُقيمت بتنظيم من "مخبر تهيئة وتعليم اللغة الأمازيغية" في "جامعة مولود معمري" بالتعاون مع "الأكاديمية الدولية للقانون اللغوي" في مدينة مونتريال الكندية و"معهد اللغويات التطبيقية" في "جامعة آدم ميكيفيتش" بمدينة بوزنان البولندية، شهدت مشاركة واحد وثلاثين مُحاضراً من اثنتي عشر بلداً.
وتناولت الأوراق مواضيع مختلفة؛ من بينها: قوانين اللغات والحقوق اللغوية، والتعليم والأقليات والأغلبية اللغوية، والتخطيط اللغوي والسياسات اللغوية، والعلاقة بين اللغة والفضاء الثقافي والهوية، والخطاب القانوني حول الحقوق اللغوية، وإشكالية الحفاظ على اللغات الأم.