اشتغل المؤرخ التونسي الراحل هشام جعيّط على تأصيل البحث العلمي في الكتابة عن تاريخ الإسلام، والتي كانت تقوم على الأسانيد الفقهية والمرويات ليجعل منها مادة بحثية تقوم على القرائن النصية والمعمارية ضمن ما بات يصطلح على تسميته "دراسات الإسلام المبكّر".
يواصل باحثون في تونس هذه الجهود، ومن ذلك كتاب "المبحث التاريخي للذاكرة ونماذج من الإسلام المبكر" للباحث التونسي المعز عمري، والذي صدر مؤخراً عن "دار القلم" بتقديم حياة عمامو.
تقوم الإضافة المنهجية للمؤلف على اعتماد براديغم الذاكرة الذي كان له تأثير كبير في طرق كتابة التاريخ الحديث في الفضاءات الأكاديمية الغربية بتخفيف أهمية العوامل الاقتصادية والاجتماعية في تفسير الأحداث التاريخية وإبراز دور العوامل الثقافية، وهو ما يفتح تدخّل معارف كثيرة في الكتابة التاريخية مثل علم الاجتماع والدراسات الأدبية والأنثروبولوجيا والفلسفة وعلم النّفس.
يستعرض المؤلف في هذا السياق نظريّة "الذاكرة الجماعيّة" التي طرحها المؤرخ الفرنسي موريس هالفاكس، ومن ثمّ يبيّن تطويرات بيير نورا لهذه النظرية بفصله بين الذاكرة الجماعية والذاكرة التاريخية، ليصل عمري إلى الإضافات الجوهرية التي قدّمها الفيلسوف بول ريكور حين طبّق الهرمونيطيقيا (علوم التأويل) على الكتابة التاريخية.
هذه الجولة في المساهمات النظرية التاريخية يعتمدها عمري في فهم مجموعة من قضايا الإسلام المبكّر، وهي قضايا ليست تاريخية بحتة بما أنها تتحوّل إلى مادة خلافية من حين إلى آخر، بما يعني ذلك من صراع تأويلات.