منذ تسعينيات القرن الماضي، حين خضع العراق لحصار دولي، وحتى احتلاله أميركياً عام 2003، تعرّضت آلاف المخطوطات للتدمير والنهب، ولم تكن هناك محاولات جدّية لاسترجاع ما سُرق منها، فمعظم ما استُعيد كان بعهدة أفرادٍ آمنوا بضرورة الاحتفاظ بها خلال مرحلة الانفلات الأمني التي عاشتها البلاد، كما توضّح أفلام وثّقت السنوات الماضية.
أحد أبرز الدروس المستفادة عبّرت عنه الدعوات المتكرّرة إلى ضرورة رقمنة هذا الإرث الذي يعود جزء منه إلى آلاف السنين، خاصّة في ظلّ عدم وجود أنظمة فهرسة مشتركة لدى المكتبات ومراكز الوثائق، حيث لم تُطبّق تقنيات حديثة في هذا المجال، ويتهدّد الكثير من المخطوطات إمكانية ضياعها دون وجود بيانات تثبت وجودها أساساً.
في هذا السياق، أعلنت "دار المخطوطات العراقية" في بغداد، قبل أيام، عن إطلاق مشروع تصوير رقمي يهدف إلى الحفاظ على المخطوطات، في نُسَخٍ مصوَّرة، في حال تعرُّض المخطوطة للتلَف أو الاندثار، وهو مشروع لم يسبق أن تُرجم إلى مسار عملي نتيجة عوائق عديدة، في مقدّمتها نقص الكوادر المؤّهلة في الترميم وإعادة تأهيل الوثائق.
يُعنى المشروع بتصوير حوالي سبع وأربعين ألف مخطوطة وحفظها رقمياً
وأشار مدير عام الدار كريم العلياوي إلى أن المشروع يُعنى بتصوير حوالي 47 ألف مخطوطة، تضمّ رسائل وموضوعات يتجاوز مجموعها 64 ألف مخطوطة في مجالات معرفية متعدّدة، إضافة إلى مخطوطات تمثّل معاملات عدد من المؤسسات العراقية خلال أكثر من مئتي عام، منوّهاً بأنّ "هذه المخطوطات غير مصوَّرة من قبل، ما يدفع إلى الحرص والسرعة في العمل والإنجاز".
وتبدأ الخطوات العملية المشروع بعد توفّر أجهزة التصوير الحديثة وما يتبعها من أدوات متخصّصة من أجل الحفظ والأرشفة، وتجهيز المباني وفق مواصفات وضوابط، و تطبيق قواعد الفهرسة الحديثة في فهرسة وتصنيف المخطوطات، بدعم من "المصرفُ العراقي للتجارة".
يُذكر أن دار المخطوطات تحتوي آلاف المؤلّفات التي تنتمي لمختلف العصور الإسلامية، ومنها مصحف بخطّ الوزير ابن مقلّة يعود إلى بدايات القرن الرابع الهجري، وعدد من المخطوطات التي تعود إلى القرون الثلاثة الأولى للهجرة، وأخرى كُتبت بعد انتشار الورق في بغداد عام 174 للهجرة (790 ميلادية)، كما تُعرض أقدم نسخة من "شرح نهج البلاغة" لابن أبي الحديد (كُتب سنة 556 هجرية)، وكذلك ديوانه، ونسخة من ديوان الحماسة الكبرى لأبي تمام كُتبت سنة 504 هجرية.