في حزيران/ يونيو الماضي، احتضنت الرباط فعاليات "المعرض الدولي للنشر والكتاب" في دورته السابعة والعشرين. وكانت تلك المرّةَ الأُولى التي يُقام فيها خارج مدينة الدار البيضاء منذ انطلاقه عام 1994.
كان لنقْل الحدث الثقافي الأبرز في المغرب، من العاصمة الاقتصادية إلى العاصمة الإدارية، مبرّراتُه بحسب وزارة الثقافة؛ فمِن جهة، أُريد للمعرض أن يرفد احتفاليتَي "عاصمة الثقافة الأفريقية" و"عاصمة الثقافة الإسلامية" اللتين تُقامان في الرباط خلال العام الجاري، ومِن جهة ثانية، فقدَت التظاهُرة فضاءها التقليدي في الدار البيضاء، بعد تحوُّله إلى مستشفىً ميداني لعلاج المصابين بفيروس كورونا.
وكان إعلان وزير الثقافة والشباب المغربي، محمد المهدي بنسعيد، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عن تغيير مكان المعرض، قد أثار استياءً في الدار البيضاء؛ حيث دعا منتخبون محلّيون فيها إلى التراجُع عن القرار، بالنظر إلى "تأثيره السلبي على الحركية الثقافية والاقتصادية" في المدينة؛ حركيةٌ تأثّرت أساساً بجائحة كورونا التي دفعت إلى تأجيل التظاهُرة لسنتَين متتاليتَين (2020 و2021).
ترى وزارة الثقافة أنّ الرباط هي الأنسب لاحتضان معرض دولي للكتاب
لم تستجب الوزارةُ لتلك الدعوات "بسبب بدء التحضيرات لتنظيمه في الرباط"، لكنّها طمأنت في كانون الثاني/ يناير الماضي، على لسان بنسعيد، بأنّ نقل المعرض سيكون إجراءً مؤقَّتاً، وبأنّ التظاهُرة ستعود إلى "موطنها الأصلي" ابتداءً من دورتها الثامنة والعشرين عام 2023. لكن، يبدو أنّ المعرض لن يعود إلى العاصمة الاقتصادية مُجدَّداً؛ حيث تتّجه وزارة الثقافة إلى الإبقاء عليه في الرباط، مع استحداث معرض أصغر في الدار البيضاء.
ونقلت "القناة الثانية" المغربية عن مصدر في وزارة الثقافة، لم تُسمّه، قوله إنّ الوزارة تتّجه نحو تنظيم معرضَين للكتاب مستقبَلاً؛ أحدُهما دوليٌّ في الرباط، والآخر وطنيٌّ في الدار البيضاء. لكنَّ المصدر ربط تنفيذ هذه الفكرة بـ "توفُّر الإمكانيات والموارد المادية واللوجستية الضرورية".
وذكر المتحدّث أنّ "النجاح الكبير" الذي حقّقته الدورة الأخيرة هو ما دفع إلى التفكير في الإبقاء على المعرض في الرباط، مُشيراً إلى أنّ الميزانية التي يُخصّصها مجلس مدينة الدار البيضاء للتظاهُرة لا تكفي لتنظيم معرض دولي، لكنّه أضاف أنّ وزارة الثقافة لن تحسم أمر إقامة معرضَين للكتاب في المدينتَين قبل أيلول/ سبتمبر المقبل.
وكان محمد المهدي بنسعيد قد صرّح، في وقت سابق، أنّ الرباط تتوفّر على إمكانيات تُتيح تنظيم المعرض في ظروف جيّدة، مُضيفاً أنّ وزارته تلقّت مساهمةً مالية بقيمة ثمانية ملايين درهم مغربي أُضيفت إلى موازنة المعرض التي تُقدَّر باثنتي عشر مليون درهم، بينما "لم يُسهم مجلس الدار البيضاء بأيّة مبالغ مالية في السنوات الماضية".
يُذكر أنّ الدورة السابعة والعشرين من "المعرض الدولي للنشر والكتاب"، والتي أُقيمت في الرباط بين الثالث والثاني عشر من الشهر الماضي، عرفت مشاركة قرابة 712 عارضاً من 55 بلداً. وبحسب الأرقام الرسمية، فقد زار المعرضَ أكثر من مئتَي ألف زائراً، اشتروا مليوناً ونصف مليون كتاب (بزيادة 37 في المئة مقارنةً مع الدورة السادسة والعشرين)، بقيمة تتراوح بين 75 و115 مليون درهم مغربي.