مع توقّف الحياة الثقافية في فضاءاتها المعتادة من متاحف وغاليريهات وصالات عرض، نشطت الفعاليات الافتراضية، ولعل أبرزها الجولات الثقافية التي باتت تجد متابعين كثر، ما دعا الكثير من المؤسسات إلى الاشتغال عليها مضمونياً ودعائياً حتى أنه يمكن القول بأنها باتت تمثّل إحدى أبرز سمات مرحلة الوباء العالمي.
أمس نظّمت "جمعية باريس زيغزاغ" الفرنسية جولة افتراضية بعنوان "باريس الثورة" بمشاركة باحثين في التاريخ والأدب. بحسب خطّة الجولة فإن مسارها يتتبّع الخطّ الكرونولوجي لأحداث الثورة حيث انطلقت من ساحة "باستيل" باعتبار أن الثورة بدأت باقتحام المحتجّين لتلك القلعة، وانتهت الجولة في ساحة كونكورد والتي جرى فيها إعدام أبرز وجوه الثورة الفرنسية ماكسميليان روبيسبيير عام 1794.
لكن ما يمكن ملاحظته بشكل واضح، هو أن المتحدّثين ضمن الجولة يخاطبون خيال المتابع أكثر مما يصفون له مشاهد يراها بعينه، حيث أن ساحة باستيل مثلاً لم نعد نجد فيها القلعة الرهيبة التي تحدّثنا عنها كتب التاريخ حيث جرى هدمها. في ساحة باستيل اليوم، سنجد مشهداً مختلفاً تماماً، مقاهي وقاعات سينما (مغلقة اليوم بسبب الإجراءات الوقائية)، ومحلات بيع العطور والأحذية.
أما ساحة كونوكورد، فقد باتت اليوم مسلّتها المصرية معلمها الأساسي، وبذلك فهي تخفي كل أثر للإعدامات التي حدثت فيها من الثورة. وكذلك الأمر بالنسبة للميادين والحدائق والقصور المجاورة (ومنها متحف اللوفر الذي كان أحد القصور الملكية).
تلتقي هذه الجولة مع ما يشير إليه الباحثون في تاريخ الثورة الفرنسية دائماً، وهو أنه كلّما تقدّم الزمن جرى طمس معالم الثورة وآثارها المادية الملموسة، بسبب الثورة المضادة في نهاية القرن الثامن عشر وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر، أو بسبب التحديثات العمرانية في النصف الثاني من القرن ذاته إلى أيامنا.
في المقابل، هناك تلك النزعة الرسمية (والشعبية أحياناً) في تقديس هذا الحدث واعتباره أهمّ حدث عرفته فرنسا خلال تاريخها، بل إن كل أمجادها المعاصرة مدينة لاقتحام مجموعة من المتظاهرين قلعة الباستيل ذات يوم من صيف عام 1789.