لعب رودريغو خيمينيز دي رادا دوراً دينياً وسياسياً مهمّاً في مملكة قشتالة خلال عهدي ألفونسو الثامن وفيرديناند الثالث، وهي الفترة التي عزّز فيها النظام الملكي القشتالي هيمنته السياسية على باقي الأنظمة السياسية في شبه الجزيرة الإيبيرية، خلال القرن الثالث عشر ميلادية.
درس الأسقف والمؤرّخ الكاثوليكي (1170 - 1274) القانون واللاهوت في جامعتي بولونيا وباريس، وكان من أوائل الذين التفتوا إلى ترجمة القرآن إلى اللغة اللاتينية، وضرورة دراسة تاريخ الإسلام والمسلمين الذين كرّس حياته الفكرية والسياسية من أجل إنهاء حكمهم في الأندلس.
عن "دار خطوط وظلال"، صدرت حديثاً النسخة العربية من كتاب "تاريخ العرب" لـ دي رادا بترجمة أيمن التميمي، والذي ألّفه بعد تعرّض دولة الموحّدين لهزائم عديدة في الأندلس، وسعى خلاله إلى توثيق التاريخ العربي منذ دعوة النبيّ محمّد وحتى انهيار الخلافة الأموية في الأندلس عام 1031 ميلادية، وقيام ممالك الطوائف، مبتعداً فيه عن كثير من المغالطات التي بُنيت على انحيازات دينية وطائفية.
يشير المترجم في مقدمته إلى مؤلّفات دي رادا الأساسية التي درس فيها التاريخ القوطي والروماني وعشائر الهون والعرب في خمسة كتب تمثّل تاريخ إسبانيا والتي يمكن قراءتها كعمل واحد، موضحاً أنه رغم الأخطاء التي وقع فيها أثناء تدوينه سيرة النبيّ محمّد وبدء الدعوة في مكّة وغيرها من الأمور المتّصلة بانتصارات المسلمين على الخلافة البيزنطية، إلّا أن "السيرة التي رواها أحسن من الكثير من السير الأخرى التي كانت تُتداول بين المسيحيين الأوربيين في العصور الوسطى".
ويبيّن أنه عندما ينتقل دي رادا إلى تاريخ الدولة الأموية ثم صراعها مع العبّاسيين، وتاريخ العرب في الأندلس، يصبح موضوعياً جداً، وتتوارى نظرته العدائية إلى الإسلام، وربما أتى ذلك كون مصادره جميعاً في تأريخ هذه المرحلة كانت عربية لكنّه لم يذكر مصدراً واحد منها.
وينبّه التميمي إلى أن رودريغو كان يطمح إلى حكم مسييي لجميع أراضي شبه الجزيرة الإيبيرية، إلّا أنه كان مؤمناً باستمرار التعايش بين المسيحيين والمسلمين الذي يجب عدم تنصيرهم أو طردهم أو إيذائهم كما حدث في فترة لاحقة، وأراد معاملتهم بالصورة التي عامل فيها المسلمون المسيحيين.
يتتبّع دي رادا في كتابه تاريخ العرب منذ نشأة النبيّ محمّد في مكّة مروراً بالخلافة الراشدة ومعارك المسلمين وانتصاراتهم في الشرق والغرب وتفاصيل الحكم خلال العهد الأموي، وصولاً إلى فتح الأندلس وتسلسل الخلفاء على الحُكم، وواقع المجتمع الأندلسي على مرّ وتعاقب الحكّام عليه.