"جائزة الرافدين": اثنا عشر كتاباً أوّل في القائمة القصيرة

06 يوليو 2021
الكاتب والمترجم فلاح رحيم، رئيس لجنة تحكيم الدورة الثانية من الجائزة
+ الخط -

تتوجّه "جائزة الرافدين للكتاب الأوّل" إلى الكتّاب الذين لم تجد نصوصهم الأولى طريقها إلى النشر؛ غايةٌ قلّما يجري الانتباه إليها في أيامنا هذه، مع تراجع معظم الناشرين والمؤسّسات والمطبوعات الثقافية عن دورٍ اضطلعت به في فترات سابقة شهدتها الثقافة العربية، إذ باتت تُكرَّس سياساتُ نشر تهتمّ بالبعد التجاري والعلاقات الشخصية بشكل أساسي.

وقد أعلنت الجائزة مؤخّراً عن القائمة القصيرة لدورتها الحالية في حقولها الثلاثة، وهي دورةٌ تحمل اسم الشاعر والناقد العراقي فوزي كريم (1945 ــ 2019)، وترشّحت إليها 80 رواية و79 مجموعة شعرية و42 مجموعة قصصية من مختلف أنحاء العالم العربي.

وأوضح بيان الجائزة أن دورتها الثانية سُمّيت باسم فوزي كريم لأنه "تميّز بكتاباته المغايرة لأبناء جيله، واشتغاله على عمق المضمون، وخروجه عن الشعارات والأيديولوجيات، إذ عمل على الاتّجاه صوب القصيدة التي تتضمّن أسئلته وقلقه وعزلته، خارج السائد في الأدب والسياسة والحياة". وتتكوّن لجنة تحكيم الجائزة من الروائي والمترجم فلاح رحيم رئيساً، مع عضويّة كلٍّ من الناقدة والمترجمة خالدة حامد تسكام، والقاص زهير كريم، والناقد كه يلان سالار (وثلاثتهم من العراق)، والشاعر نجوان درويش من فلسطين، والشاعر والمترجم محمد ناصر الدين من لبنان. وقد اختارت اللجنة أربعة أسماءٍ ضمن القوائم القصيرة في كلّ حقل.

فوزي كريم، الذي تحمل دورة الجائزة الثانية اسمه، في بورتريه لأنس عوض (العربي الجديد)
فوزي كريم، الذي تحمل الدورة الثانية اسمه، في بورتريه لأنس عوض (العربي الجديد)

تضمّنت القائمة في الرواية كلّاً من "جدائل الذهب" لأحمد حجازي (من لبنان، له رواية ومجموعة قصصية)، و"فات الميعاد" للين نجم (من لبنان، مواليد 2002، لها ديوان شعر لم يُنشَر)، و"جنون الذاكرة" لعثمان بن الطيّب (من المغرب، مواليد 1979، يدرّس اللغة العربية وله مخطوطات قيد الطبع)، و"صباح الخير يا يافا" لأحمد فضيض (من مصر، مواليد 1986، يكتب القصة والرواية والشعر).

واشتملت قائمة الشعر على مخطوطة "مخطوف من يد الراحة" لمبين خشاني (مواليد 1998، ينشر في صحف ومواقع عربية وعراقية)، و"نعش واسع بحجم الكف" لعلي الشمّري (مواليد 1996، ينشر في صحف ومواقع إلكترونية وله أعمال في الكولّاج)، و"ألهو بما ليس لديّ" لآلاء عادل (مواليد 1989، تكتب الشعر وتعمل مصمّمة أزياء للمسرح والتلفزيون)، و"سيرة مَن ماتوا" لمهدي المهنا (يعمل محرّراً صحافياً وينشط لتعزيز الديمقراطية)، وجميعهم من العراق.

أمّا قائمة القصة القصيرة، فضمّت أربع مجموعات أيضاً، ثلاثٌ منها لكتّاب عراقيين، هي: "سيناريو الصدف السيّئة" لمروة عصام الأحمد (مواليد 1992، تعمل معيدة في كلية الهندسة بجامعة الموصل)، و"مَن وجد نعل غاندي" لحسين كامل (مواليد 1997، يعمل في الدعم الطبي وله مخطوطات قيد الطبع)، و"يلحسُ بلسانه الطعمَ الغريبَ لكابوس الجثّة" لمهنّد الكوفي (مواليد 1994، يكتب القصة ويُترجم عن الروسية)، إضافة إلى "مديح الجنون" لعلاء حليفي (من المغرب، يعمل في الهندسة المعمارية وينشر في نصوصه مجلّات عربية وإنكليزية).

سعيٌ إلى منح الثقة لأصوات شابه لتواصل مشوارها الكِتابي

في حديثٍ إلى "العربي الجديد"، يقول رئيس لجنة التحكيم، فلاح رحيم، إن الجائزة "ترمي إلى رعاية الأصوات الشابّة في مجالات الرواية والشعر والقصّة القصيرة. والفكرة أن المواهب الشابة تحتاج إلى قرّاء ومختصّين يمنحونها الثقة اللازمة بالنفس لمواصلة المشوار الطويل"، مضيفاً أن "الدورة الثانية اقتربت كثيراً من تحقيق هذه الغاية. ما أتمنّاه مستقبلاً هو أن تُتاح لهذه الجائزة موارد أكبر تساعدها على تنظيم عملها وتحقيق أهدافها على نطاق أوسع. لا توجد جائزة مماثلة تختصّ بهذه الفئة المهمّة من الأدباء، وأتمنّى أن تجد مخرجات الجائزة رعاية الإعلام الثقافي العربي واهتمام القرّاء لرفع دلالة الفوز بها وتحويلها إلى محكٍّ موثوق لاكتشاف المواهب الواعدة ورعايتها".

ويشير رحيم إلى أن "مستويات المشاركات تفاوتت في هذه الدورة، وهو أمرٌ حتميّ ومتوقع، لكنّ ما يبرز فيها أمران. الأوّل أن الروايات المتنافسة أظهرت ميلاً كبيراً إلى استعادة العلاقة الحيّة بين السرد والقارئ. يبتعد الجيل الجديد من الكتّاب الشباب عن التهويمات التجريبية العقيمة التي سيطرت على السرد العربي لزمن طويل، ويُظهر ميلاً واضحاً إلى تقديم رواية تتفاعل مع التجربة الحيّة بمنطقٍ سردي قابل للتعريف، ويقرأ الواقع بتفكُّر راصد مسؤول. الروايات المرشّحة في القائمة القصيرة مثالٌ رائع على هذا. هنالك ــ فضلاً عن السرد النابض بالحياة ــ احتفاءٌ بحِرفة السرد ومتطلّباتها الصعبة، وهنالك مَن اقتحم باب الرواية الفلسفية المنبثقة من وقائع الحياة العربية الجديدة".

قائمة

يلاحظ رحيم أن الكثير من المشاركات الروائية ذهبت في الحرص على امتاع القارئ إلى حّد الكتابة ضمن الأصناف الأدبية الرائجة في الغرب مثل الرواية البوليسية ورواية الخيال العلمي والتشويق، وهو توجّهٌ يستلزم حذراً كبيراً ومعرفة تامة بمشاكل أصناف كهذه، بحسب كلامه. الملاحظة الثانية تتعلّق بالمشاركات الشعرية، إذ يبيّن أن "أزمة القصيدة العربية الحديثة في طورها النثري قد بدت واضحة في معظم الدواوين المشاركة. هنالك ــ كما لاحظت اللجنة ــ ضعفٌ لغويّ لا يمكن قبوله يصل حدّ الوقوع في أخطاء نحوية وإملائية أولية. وهو أمرٌ مرفوض في كلّ فنون الأدب، لكنّه يُعَدّ مشكلةً كُبرى عندما يتعلّق الأمر بفنّ الشعر". 

يتابع: "هنالك في هذه الدواوين تعويلٌ كبير على اعتماد المفارقة والصورة الطريفة على حساب أهمّ ركن من أركان الشعر، وهو قوّة اللغة الشعرية وتدفّقها. بالرغم من كلّ هذا، ثمة دواوين ــ تستحقّ الرعاية ــ اتّسمت بالغزارة والتنوّع والتمكّن اللغويّ، وهي صَيْدُنا الذي نعوّل عليه. الحال لا يختلف كثيراً في مجال القصة القصيرة، وهي أقرب أشكال السرد من الشعر. الضعف اللغويّ واعتماد الضربة الشعرية السريعة والعزوف عن الاستقصاء الصبور لأعماق التجربة المطروحة أثّر سلباً على كثير من المجموعات. ما ظهر في القوائم القصيرة حقّقَ درجة مقبولة من الابتعاد عن هذه المشاكل، وهنالك في كلّ الأصناف أعمالٌ كثيرة تدلّ على مواهب تستحق الثقة، نتطلّع إلى اكتمالها مستقبلاً".

أمرٌ طريف آخر يتعلّق بالموضوعات المطروحة في مجمل الأعمال المشاركة، حيث يلفت صاحب رواية "القنافذ في يوم ساخن" إلى أن "الروايات كانت إجمالاً أكثر إيجابيةً وثقةً بالنفس وتعويلاً على السرد والقارئ في مقاربة مادّتها من دواوين الشعر والقصص القصيرة. المضمون المتكرّر في الشعر والقصص القصيرة هو الإحباط واليأس والتشاؤم من الغد والعدمية السلبية المغلقة. وهو قيدٌ ضيّقَ أفق هذه الأعمال. لا يعني هذا الدعوة إلى تفاؤل مجّاني، لكنّ الأدب ــ وهو يقترب من التجربة المُسَنّنة لوجودنا العراقي والعربي الراهن ــ مطالَبٌ بالتفاعل الإيجابي المتعمّق مع المأساة، التفاعل الذي لا يكتفي بالنُواح واستدرار العطف، بل يُقدّم رؤىً فنية مدهشة في كشفها وثرائها. هنالك ما هو أبعد من الشكوى لو حاول الأديب الشابّ استنطاق ما حوله من مظاهر معقّدة فاضحة. كانت الرواية أكثر نجاحاً في هذا المضمار، وما يمنحنا الثقة في المستقبل هو أن النماذج الفائزة في القوائم القصيرة من شعر وقصة ترسم الطريق إلى مقاربة أغزر وأوسع أفقاً".

تنافست 80 رواية و78 مجموعة شعرية و42 مجموعة قصصية

بناءً على قراءة الأعمال المشاركة، يدعو رحيم الأديب الشاب إلى أن يتذكّر ــ وهو يكتب ــ أن ما يكتبه ينتمي إلى صنف أدبي له تاريخ طويل حافل بالروائع وأن عليه أن يتسلّح باطّلاع واسع متعمّق في هذه الروائع قبل أن يُقدم على الكتابة، إذ يكتب الشباب عن تجارب مهمّة وشيّقة وهم يحملون مشاعر ومكابدات مؤثّرة، لكنّ كل هذا لا يُغني عن الحاجة إلى خبرة أدبية تعتمد الدرس الصبور لفنون الأدب، وما ينجم عن هذه المشكلة تفجّعٌ غنائي لا يكشف الكثير.
 
وينبّه إلى أن "ما يحتاج الروائي إلى دراسته مختلفٌ عمّا يحتاج إليه الشاعر. تبقى الرواية ــ بالرغم من كلّ ما يشاع عن انصهار الأصناف الأدبية في مفهوم النصّ (وهي الموضة السائدة في النقد الروائي العربي الآن) ــ صنفاً أدبياً مستقلّاً له تاريخه الطويل وظرفه التاريخي المعلوم". ويتابع: "يحتاج الروائي الشاب إلى قراءة روائع الرواية العالمية منذ أوائل القرن الثامن عشر حتى الآن، ليتمثَّل منجزَها قبل أن يُقدم على الكتابة والتجريب. لا أمنع على الروائي الشاب الاستعانة بالشعر وغيره من الأصناف الأدبية، لكنّ هذا التجريب لن ينجح إلّا إذا اعتمد معرفةً دقيقة لنماذج الرواية العالمية المعتمدة".

أمّا عن المشاركات الشعرية، فيقول: "وجدنا لدى الشعراء الشباب تأثُّراً واضحاً بالشعر المترجَم، بوصفه يمثّل الحداثة والتفوّق. المشكلة مع الشعر أن القصيدة المترجمة لا تكون إلّا ظلّاً باهتاً للنصّ في لغته الأم، وهي في أفضل الأحوال دالّةٌ على مقدرة المترجم لا الشاعر الأصلي، حيث الشعر فنّ الإبداع اللغويّ قبل أي اعتبار آخر، ولن يجد الشاعر الشاب اللغة العربية في أفضل أشكالها لدى مترجمي الشعر. لا بدّ له من العودة إلى ميراث الشعر العربي منذ العصر الجاهلي حتى يومنا هذا، يعكف عليه قراءةً ودرساً وتمثُّلاً ليمتلك الأداة الأهمّ في إبداعه، وأعني بها اللغة العربية".

ويشير صاحب رواية "حبّات الرمل، حبّات المطر" إلى أن "الفكرة القائلة بأن الشعر العربي قد بدأ مع حركة الشعر الحرّ وأن ما قبله شعرٌ تقليدي لا يستحق النظر، كان لها أبلغ الأثر في تراجع قصيدة النثر وعُزلتها عن القراء. وكان أبرز شعراء الحداثة أمناءَ على إدامة الصلة مع ميراثهم الشعري الفريد"، مضيفاً: "خلاصة ما أنصح به هو أن يُركّز السارد الشاب (رواية وقصة قصيرة) على الأعمال السردية المترجمة فضلاً عن ميراثه السردي، بينما المطلوب من الشاعر الشاب أن يُركّز في قراءته على الشعر العربي بكلّ عصوره وألا يجعل الشعر المترجم معياره للإنجاز الشعري". نصيحة أخيرة يوجّهها رحيم لمَن لم يحالفهم الحظ بالفوز، بالقول: "لا تكتبوا من أجل الفوز بجائزة ــ مهما كانت مكانتها ــ أو سعياً إلى منفعة مادية. الإبداع الحقيقي يبدأ وينتهي في حاجة الأديب العميقة إلى تحقيق أهمّ ما تنطوي عليه نفسه من إمكانات مبدعة، وهي متعة لا يفسدها شيء".

تأسّست الجائزة عام 2018 بمبادرةٍ من "دار الرافدين للنشر والتوزيع" و"مؤسسة درج الثقافية"، تشجيعاً للإبداع العربي وتحفيزاً للمواهب والطاقات الواعدة، وإيماناً بدور الأدب في بناء المجتمعات وبأن تعميق وعي الإنسان والارتقاء به قيمة جوهرية. وتسمّى كلّ دورة باسم رمزٍ إبداعيٍّ فارِقٍ شكّل حضوره منعطفاً في تاريخ الأدب العربي، وذلك تكريماً وعرفاناً بدوره الخلّاق.

وكان قد جرى تأجيل الدورة الحالية (كانت مقرّراً إجراؤها العام الماضي) نتيجةً للظروف السياسية التي عاشها العراق ونتيجةً لتفشّي فيروس كورونا. لكن مع تحسُّن الأوضاع، أُعيدَ فتْح باب الاشتراك في الجائزة، واستُقبلت الأعمال المقدّمة حتى الحادي والثلاثين من آذار/ مارس الماضي، وقد انحصرت أعمار المشتركين بين ثمانية عشر وخمسة وأربعين عاماً. يُعلن عن الأسماء الفائزة بفروع الجائزة في الرابع عشر من آب/ أغسطس المقبل، وسينال كلّ فائزٍ مكافأةً نقدية قيمتها ألف دولار، فيما تقوم "دار الرافدين" و"دار درج" بطباعة كتابه وتوزيعه عربياً.

المساهمون