هل كان وصول المدّ العثماني إلى مصر، وقبلها الشام، فتحاً أم احتلالاً؟ سؤال وقف عنده المؤرخون، كلّ يقدّم وثائقة وقرائنه، لكن الكاتب المصري صلاح عيسى (1939 - 2017)، وهو ليس بمؤرّخ، أنجز كتاباً بات المرجع في مقاربة هذا السؤال. فقد اعتمد السرد والحبكة أكثر مما اعتمد على العودة للمراجع، ففاز بثقة القراء أكثر من غيره حتى وإن لم يقدّم إجابة حاسمة، لكنه نجح في ترسيخ السؤال وتعميقه.
في طبعة جديدة مزوّدة برسوم، صدر مجدّداً كتاب "رجال مرج دابق" للكاتب الصحافي المصري عن "دار الكرمة"، ضمن "معرض القاهرة الدولي للكتاب" الذي اختتمت فعالياته منذ أيام.
يفتتح عيسى كتابه بهذه الجملة: "لم يكن واحد من الرجال الذين ملأوا فضاء مرج دابق في تلك الليلة الصيفية الحارَّة يعرف على وجه التحديد كيف ستنتهي الأمور. كل ما كانوا يعرفونه أن الحرب قد أصبحت أمرًا مقررًا، وأنها قد تنشب في أي لحظة، وأن إقامتهم في هذا المرج الواسع لن تطول".
ويضيف: "أما كيف تتوزع بينهم الحظوظ: مَن منهم سوف يُؤخذ أسيرًا؟ ومن منهم سوف يسقط شهيدًا في المعركة؟ وهل ينتصر الجيش الذي يقوده سلطانهم الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري، أم ينتصر جيش عدوهم السلطان المظفر سليم خان بن بايزيد العثماني؟ فذلك كله لم يكن واحد منهم يعرف شيئًا عنه".
هكذا يحوّل عيسى القضية الجيوسياسية الكبرى إلى حكاية يمكن أن يرويها أي قائد أو جندي، ضمن عملية تذويب للتاريخي ضمن السرد اليومي المبسّط، كما نجد أثر ذلك في أعمال أخرى له مثل "رجال ريا وسكينة" و"الثورة العرابية"، و"هوامش المقريزي".