عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" و"معهد الدوحة للدراسات العليا"، صدر حديثًا العدد الحادي والخمسون من الدورية العلمية المحكّمة "سياسات عربية" التي تُعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتصدر كلّ شهرين.
تضمّن العدد الجديد، في باب "دراسات"، خمسة أبحاث؛ هي: "سياسة دولة قطر وتجربتها في الوساطة وتسوية المنازعات" لمطلق بن ماجد القحطاني ودانه بنت منصور آل ثاني، و"مركزية إقليم الشرق في سلام السودان: التوترات القائمة والوقاية من تصاعد النزاع" لسلطان بركات ومنى هداية، و"الديمقراطية التوافقية في العراق: إعادة إنتاج الأقليات الإثنية والدينية واللغوية بوصفها أقليات سياسية" لسليم سوزه، و"الجزائر: تجربة تحول ديمقراطي في سياق فشل اقتصادي" لنوري دريس، و"جدلية العلاقة السببية بين الحرية السياسية والحرية الاقتصادية: العالم العربي نموذجًا" لإبراهيم المرشيد والحسين شكراني.
في دراستهما، يسلّط مطلق بن ماجد القحطاني ودانه بنت منصور آل ثاني الضوء على سياسة دولة قطر وتجربتها في الوساطة وتسوية المنازعات، مُبرزَين مساهماتها ودورها خلال العشرين سنة الماضية، من خلال توضيح سمات سياستها الخارجية واستراتيجيتها ومبادئها، والإضاءة على دراسات حالة لبعض الوساطات القطرية السابقة.
وتُضيء دراسة سلطان بركات ومنى هداية على ما يمرُّ به إقليم شرق السودان من تصدُّعات محلّية تتقاطع مع توتُّرات القرن الأفريقي والأطماع الإقليمية والدولية، محاوِلةً فهم النزاع في الإقليم وتحليله. وتكمن فرضيتها الأساسية في أنّ شرق السودان يُمثّل الأولوية والمدخل الجغرافي في عملية بناء السلام السوداني، وأنّ إحلال وتعزيز السلام في هذا الإقليم يرتبط بعلاقة تبادلية مع أمن القرن الأفريقي واستقراره.
ظلّت الممارسة السياسية في عراق ما بعد 2003 قائمة على أساس إعادة إنتاج الأقلّيات
ويُجادل سليم سوزه، في دراسته، بأنّ النظام السياسي، الذي أنتجته العملية السياسية في العراق ما بعد 2003، ساهم في إعادة إنتاج الأقلّيات الإثنية والدينية واللغوية، ضمن هوية سياسية واحدة ومتجانسة، دون أن يؤخذ في الاعتبار تعدُّد التوجُّهات الفكرية داخل الأقلّيات نفسها. وغدت هذه الأقلياتُ أقلّياتٍ سياسية، ولكنّها عاجزة وغير قادرة على التغيير أو التأثير في عملية صناعة القرارات السياسية، ما يعني أن الممارسة السياسية في العراق، ومن ضمنها الممارسة الانتخابية عمومًا، ظّلت قائمة على أساس إعادة إنتاج الأقلّيات الإثنية والدينية واللغوية، ولم تتحوّل إلى ممارسة سياسية حقيقية.
من جهته، يناقش نوري دريس تجربة الانفتاح السياسي في الجزائر ضمن المقولات التحليلية والتفسيرية للاقتصاد السياسي، منطلقًا في دراسته من مسلّمة مفادها أن الانتقال من نظام شمولي تسلّطي إلى نظام ديمقراطي يفترض الانتقال من اقتصاد ريعيّ مرتبط بالسوق الخارجية وتهيمن عليه الجماعات الريعية، إلى اقتصاد منتج يقوم على استغلال البرجوازية الوطنية لليد العاملة المحلية لخلق الثروة. وتجادل الدراسة بأنّ تجربة الانتقال الديمقراطي في الجزائر تعثّرت بسبب إفشال الجماعات الريعية للتحوّل الرأسمالي الذي كان في إمكانه أن يسمح بنشوء طرفي المعادلة الديمقراطية الأساسيين: البرجوازية، والطبقة العمالية.
ويدرس إبراهيم المرشيد والحسين شكراني العلاقة السببية بين الحرية الاقتصادية والحرية السياسية عربيًا، اعتمادًا على أدوات الاقتصاد القياسي، ولا سيما اختبار السببية. وتُظهر نتائج دراستهما أنّ التفاعلات بين الحرية الاقتصادية والحرية السياسية في العالم العربي تتماشى عمومًا مع الأطروحة التي دافع عنها المفكرون الليبراليون، ولا سيما ميلتون فريدمان وفريدريك هايك، والتي تفيد بوجود علاقة سببية أحادية تتجه من المتغير الأول نحو المتغير الثاني.
وتضمّن باب "دراسة مترجمة" دراسةً بعنوان "المركزية واللامركزية في الإدارة والسياسة: تقييم الأبعاد الإقليمية للسلطة والقوة"، لـ بول د. هوتشكروفت بترجمة عومرية سلطاني. انطلاقًا من ملاحظة مفادُها أنَّ الدراسات الأكاديمية لم تُقدّم، حتى الآن، إطارًا شاملاً لتقييم العلاقات بين المركزية والمحلية وإصلاحها، تُحاول الدراسة تجاوز "تقسيم العمل" الذي فصَل منذ فترة طويلة بين تحليلات الهياكل الإدارية والسياسية، وتوفير مفردات مفاهيمية أكثر صلابة لوصف تعقيدات المركزية واللامركزية في الإدارة والسياسة وتحليلها. وتبدأ الدراسة بتطوير متواليتين متمايزتين من المركزية/ اللامركزية الإدارية والسياسية، ثم تُجمَعَان معًا بعد ذلك في مصفوفة واحدة تسمح بإلقاء الضوء على مجموعة واسعة من الاستراتيجيات والنتائج التي تنبثق من التفاعل المعقّد بين المجالين.
وفي باب "المؤشّر العربي"، نقرأ ورقة بعنوان "اتجاهات الرأي العام الجزائري نحو الثقة بمؤسّسة الجيش (2011 - 2020)"، وفيها يبحث بلقاسم القطعة في اتجاهات الرأي العام الجزائري نحو الثقة بالجيش، بالاستناد إلى نتائج استطلاعات "المؤشّر العربي" بين 2011 و2019/ 2020، محاولًا تفسير آراء المستجيبين بوضعها في سياقها التاريخي الذي يغطّي تقريبًا النصف الثاني من مرحلة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومرحلة حراك 22 شباط/ فبراير 2019، وما بعده. ويخلص إلى أن الجيش يحافظ على ثقة غالبية المستجيبين، وأن ارتفاع نسبة الثقة وتدنّيها محكومان بالتصوّر المجتمعي بوجود دورٍ يقوم به الجيش في عملية التغيير، إضافة إلى عامل غياب القمع. وفي سياق المقارنة بين الثقة بالجيش والمؤسسات الأخرى، يكشف التقرير أنّ المستجيبين يعبّرون عن عدم ثقتهم بالأحزاب السياسية والمؤسسات المنتخبة والحكومة في مقابل ثقتهم بالقضاء.
وتضمّن باب "التوثيق" ثلاثة تقارير أوّلها بعنوان "محطّات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي" ويتضمّن توثيقًا لأبرز محطّات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي بين 1 أيار/ مايو و30 حزيران/ يونيو 2021، والثاني بعنوان "وثائق التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي بين 1 أيار/ مايو و30 حزيران/ يونيو 2021" ويرصد أبرز الوثائق السياسية ذات الصلة بالتحوّل الديمقراطي في الوطن العربي في تلك الفترة، والثالث بعنوان "الوقائع الفلسطينية"، ويتضمن توثيقًا لأهم الوقائع الفلسطينية والأحداث المرتبطة بالصراع العربي – الإسرائيلي في الفترة نفسها.
وفي باب "مراجعات وعروض كتب"، أعدّ محمد توفيق مراجعة لكتاب "فهم الإسلام السياسي: مسار بحثي حول الآخرية الإسلامية 1973 - 2016"، الذي حرّره فرانسوا بورغا وصدرت ترجمته العربية عن "دار الساقي" في 2018 بتوقيع جلال بدلة.