قبل أن تتبلور بيئة بحثية في إطار الجامعات العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين، لم يكن الانشغال بالسياسة يستند إلى معرفة بالعلوم الإنسانية المختلفة، من الفلسفة إلى الاقتصاد، بل اقتصر الأمر على المقاربات الفقهية أو الممارسة السياسية المباشرة دون ربطها بالفضاء المعرفي.
في كتابه الأخير "سياسيات الإسلام في الفكر العربي المعاصر"، يدرس الباحث المغربي عبد الإله بلقزيز كيفية تبلور هذه العلاقة بين السياسة والعلوم النظرية خلال النصف الثاني من القرن العشرين. عملٌ صدر مؤخراً عن منشورات "منتدى المعارف".
في تقديم الكتاب، نقرأ: "تأخّر، نسبيّاً، الاهتمام بالسياسيِّ في الإسلام بما هو بُنىً وعلاقات وديناميّات إلى سبعينيّات القرن العشرين، ومعه تأخّر الاهتمام بجدليّات العلاقة بين السّلطة والمعرفة في الإسلام إلى ثمانينيّات القرن عينِه". ومن ثمّ يبيّن بلقزيز أسباب هذا التّأخّر، التّاريخيّة منها والمعرفيّة.
على صعيد آخر، يلفت الباحث المغربي إلى وجود سياق عربي تبلورت ضمنه الكثير من الانشغالات الفكرية بالسياسة، وهو الدراسات الخلدونية، حيث أن المنهمك في دراسة صاحب "المقدّمة" لا يمكنه أن ينأى بنفسه عن الخوض في الفكر السياسي قديمه وحديثه.
يرى بلقزيز أن تراكُم الدّراسات الخلدونيّة في الفكر العربيّ المعاصر، كما في الاستشراق، أنضج الوعي بالحاجة إلى الانتباه إلى مسألة السّياسيّ في الإسلام، إنْ من حيث البحث في ديناميّات هذا السّياسيّ أو من حيث البحث في نوع معرفة الوعي الإسلاميّ للمسألة السّياسيّة وتمايُزات ميادين التّفكير فيها؛ بين كلامٍ وفقهٍ وتاريخ وأدب سلطانيّ وفلسفة.