"شراء بوذا وبيع الرومي": الاستشراق بوجوه جديدة

07 سبتمبر 2020
(حفل لفرقة "القردوس" الإسبانية للإنشاد الصوفي)
+ الخط -

في كتابه "عصر علماني"، يرى المفكر الكندي تشارلز تيلور أن من أبرز الفروق بين ما قبل الحداثة والعوالم الحديثة؛ أن الحداثة تستلزم فقدان السحر، والابتعاد عن العالم القديم الذي تسكنه الشياطين والمخلوقات السحرية نحو واقع جديد يسترشد بالعلم والتكنولوجيا وحرية الاختيار. وفي كتابها "شراء بوذا بيع الرومي: الاستشراق وسوق الصوفية" (منشورات وان وورلد)، تستدعي الباحثة صوفيا أرجانا رأي تايلور هذا، وتتساءل "ماذا عن الأفراد الذين ما زالوا يبحثون عن السحر في حياتهم؟" 

وترى أنه غالبًا ما يلعب الاستشراق دورًا في هذه التجارب التي تبحث عن التصوف، وهذا يظهر في كل شيء بدءًا من ملصقات بوذا وصولاً إلى السياحة الصوفية التي تجذب الناس إلى تركيا والهند والمغرب وبالي، وتتفحص أرجانا الطرق التي غالبًا ما يقع بها الناس اليوم مدفوعين برغبتهم في السحر وفي تجربة الشرق من خلال المنتجات والتجارب الصوفية.

غلاف الكتاب

لطالما كان الاستشراق مسكرًا قويًا، بتعبير أرجانا، حيث جذب أولاً الغزاة الأوروبيين، ثم الأكاديميين والكتاب والفنانين، مثلما رأينا في لوحات اقترحها علينا يوجين ديلاكروا وجان ليون جيروم وفريدريك آرثر بريدجمان، حيث يجسد الفنانون الأوهام المغرية للشرق وسكانه في أوج الاستشراق - وشملت الموضوعات الشائعة الحريم مع المحظيات الجميلات وأسواق العبيد والسلاطين. وإلى حد كبير، تستمر هذه التخيلات في الأفلام والتلفزيون والخطاب السياسي، كجزء من التاريخ الكبير لتخيل الشرق من خلال شخصيات خيالية. 

وثّقت أرجانا العديد من هذه الشخصيات الخيالية في كتابها الأول "المسلمون في الخيال الغربي" (أكسفورد 2015)، مع التركيز على الصور الأكثر رعبًا ووحشية التي تسكن المخيلة في الغرب.

للخيال الاستشراقي جانب آخر -أكثر رومانسية منه خطيرًا- يركز على وعد الشرق كمكان للحكمة والتنوير والتجديد. غالبًا ما يتم خلط الصور والأفكار والتخيلات المرتبطة بهذه المُثُل الطموحة معًا، وهو موضوع تفحصته الكاتبة أيضاً في كتابها "الاستشراق المشوش". على سبيل المثال، غالبًا ما يتم الخلط بين بوذا والرومي، مع اقتباسات من أحدهما منسوبة إلى الآخر ومع كلمات وعبارات ملفقة مرتبطة بكلا الشخصين.

للخيال الاستشراقي جانب آخر يركز على وعد الشرق كمكان للحكمة والتنوير والتجديد

تقول أرجانا إن الطريقة التي يقدم بها الاستشراق تفسح المجال للسوق، التي غالبًا ما تجمع المنتجات والعلاجات والتجارب بين الهندوسية والبوذية والإسلام معًا أو تطمسها. وتتطرق إلى السياحة الصوفية، وهي تجارة بيع السحر التي تحظى بشعبية في أماكن مثل بالي والهند، حيث يمكن للزوار تجربة الشرق بكل روعته المتنوعة والغريبة. وغالبًا ما توجد تمارين اليقظة ومأكولات الأيورفيدا وقراءات الرومي في هذه الأماكن.

يلعب الشرق دورًا مهيمنًا في هذه الأحداث، وتذكر الكاتبة مثلاً بسيطاً بموقع Hanuman Festival، الذي أفرد قسماً بعنوان "قبيلتنا" يسرد فيه الشركات الراعية، وكلها تدمج رموزًا مثل زهرة اللوتس أو الماندالا في علامتها التجارية، لافتة إلى أن معظم المشاركين والمعلمين من البيض، وتلفت إلى إحصائية تشير إلى أن أكثر من 90% من مرتادي مهرجانات الصوفية هم من البيض، وتروي كيف يتجلى تسليع الهندوسية والبوذية والإسلام بشكل أكثر وضوحًا في ما يسمى بـ "القرية المجتمعية" ، وهو مركز تسوق في الهواء الطلق يضم أشياء مثل ملابس اليوغا والشموع وأدوات التأمل واقتباسات الرومي.

ترتبط العديد من المنتجات والعلاجات والعطلات البحث عن السحر والتجارب الصوفية. غالبًا ما يتم تحديدها مع ثلاثة تقاليد دينية رئيسية - الهندوسية والبوذية والإسلام - هذه كلها قطاعات من السوق الصوفية. الترفيه هو جزء آخر من هذا السوق، وفي كتابها اختارت أرجانا النظر في برنامجين تلفزيونيين هما Lost وأفلام Star Wars، ويتميز الاثنان بعرض هذه الروايات المرئية بالأبطال والأشرار والقوى السحرية والموضوعات الصوفية، وتشمل أيضًا الاستعارات والصور واللغة من الشرق.

 

المساهمون