ضمن سلسلة "أطروحات الدكتوراه" التي أطلقها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر مؤخراً كتاب "مأسسة التعليم في تونس في القرن التاسع عشر" للباحثة التونسية حياة الماجري، وهو عمل ينضاف لمدوّنة تتراكم في السنوات الأخيرة في تونس مدراها قضايا التعليم والتربية.
تحمل الدراسة قراءة في مأسسة التعليم في في بعديها التاريخي والأنثروبولوجي مع توضيح خصوصية التجربة التونسية مقارنةً بغيرها من التجارب. كما ركزت المؤلِّفة على رصد التغيرات الذهنية والثقافية مشيرة إلى ضرورة إعادة النظر في تاريخ التعليم الذي يشكو عديد النقائص التي تستحيل معالجتها معالجةً سليمة ما لم نُسلط عليه قراءة متفحصة.
يتألف الكتاب من ثلاثة أقسام ضمنها تسعة فصول. في القسم الأول، "التعليم قبل بعث مكتب الحرب" تتناول الماجري في أوّل فصل منه، "تنظيم تعليم العلم الشريف"، حيث تشير أن تعليم "العلم الشريف" خضع لضوابط ومعايير عامة للمجتمع؛ كالتقاليد، والأعراف، والمعتقدات. وفي الفصل الثاني، "التعليم في الصراية"، تشير إلى أن تعليم الصراية يشمل أبناء العائلة الحاكمة ومماليكها الذين ينقسم تعليمهم إلى مرحلتين: مرحلة أولى تشمل "حفظ القرآن"، ومرحلة ثانية تشمل تعليم "العلم الشريف". ويدرس الفصل الثالث "تمويل التعليم قبل بعث مكتب الحرب".
يحمل القسم الثاني عنوان "عندما يصبح تنظيم التعليم شأن الدولة"، وفي أوّل فصوله، وهو الفصل الرابع من الكتاب، "مكتب الحرب في باردو المشهور/ المجهول"، تبين المؤلِّفة الاختلافات في تحديد تاريخ تأسيس مكتب الحرب وتاريخ غلقه، وأسباب الغلق، مطّلِعة على كتابات كثيرة ومختلفة في زمانها؛ منها ما كُتب في فترة ما قبل فَرْض الحماية الفرنسية، ومنها ما كُتب خلال فترة الحماية، ومنها ما كُتب بعد الاستقلال. وفي الفصل الخامس، "ذوبان مكتب الحرب في المكتب الصادقي وتداعياته"، ترى الماجري أنّ أسباب غلق مكتب الحرب ترجع إلى تردّي الأوضاع الاقتصادية، وهو ما نجم عنه عجزٌ عن تسديد أجور المعلمين بسبب تراكم الديون واستفحال الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى انتصاب الكومسيون المالي.
أما القسم الثالث فهو بعنوان "تمثلاث المشهد التعليمي خلال القرن التاسع عشر"، وتبدأ فيه الماجري بتناول قضية التصنيفات في التعليم وما نجم عنها ظهور تسميات جديدة للمؤسسات التعليمية، كما تدرس في أحد فصول هذا القسم "النظرة الإثنوأوروبية للإحداثات التعليمية"، وفي آخر فصول الكتاب "تمثلات الكتابات المحلية"، تفحص الكتابات الأكاديمية التي أضْفَت على تمثلات النخب السياسية صبغة موضوعية وعلمية، ولكنها واصلت اجترار الخطاب الإثنوأوروبي حول التعليم في تونس. تلاحظ المؤلّفة أن الكتابات الأكاديمية حول التعليم ظلّت تراوح مكانها في تثمين إصلاحات خير الدين التونسي، وأعادت إنتاج تمثلات نخب القرن 19، ودعّمت أفكارها السياسية، على نحو غير مباشر، فخدمت بذلك الخطاب النخبوي السائد.