لا يزال شحّ الموارد المالية وعدم توفُّر البنية التحتية اللازمة يُشكّلان عائقاً أساسياً أمام تحقيق اللامركزية الثقافية في الأردن، التي يحاول مشروع المدن الثقافية الذي تم إقراره عام 2006 تحقيقها، حيث تتراجع مخرجاته كلّ عام مع اختيار مدن أقل كثافة سكّانية وزخماً في حراكها الاجتماعي والاقتصادي.
أُعلن مؤخّراً عن اختيار ثلاثة ألوية (وحدة للتقسيم الإداري، حيث يضمّ كل لواء مجموعة من القرى والبلدات)، هي لواء البتراء في الجنوب، ولوائَيْ الفحيص والرصيفة في وسط المملكة، لتكون مدناً للثقافة الأردنية لعام 2022.
انتظم المشروع طوال السنوات الماضية، حيث غطّى جميع محافظات المملكة الإحدى عشرة، باستثناء العاصمة عمّان، لكنّ الميزانية التي رُصدت لإربد، أوّل مدينة ثقافية عام 2007 تجاوزت مليون دينار، بينما لا تتجاوز اليوم الميزانية المرصودة للمدن الثلاث مجتمعةً أكثر من مئتين وخمسين ألفاً.
رغم تشكيل وزارة الثقافة لجنةً كانت مهمّتها الأساسية اعتماد معايير هذه المدن، إلّا أنه لم يرْشَح عنها أي جديد يتعلّق بمناقشة جدوى إقامتها في أماكن تفتقد للبنى التحتية، حيث لا يزال جارياً على استكمال بناء مراكز ثقافية في مدن تمّ اختيارها قبل عامَين أو ثلاثة. وبدلاً من ذلك تثبت الوزارة على موقع الإلكتروني إقامة مئات الفعاليت وإصدار عشرات الكتب التي لا تترك أثراً حقيقياً في إعادة توزيع المكتسبات الثقافية على الأطراف البعيدة، والتي تمثّل غاية رئيسة لاستمرار هذا المشروع.
في لواء البتراء الذي يبعد نحو 235 كلم عن عمّان، لم يُفتتح مركز ثقافي إلّا في تموز/ يوليو من العام الماضي، إذ يحتوي مكتبة ومسرحاً للدمى، ومن المفترض أن ينظّم أنشطة وفعاليات لسكّان اللواء الذي يقدّر عددهم بحوالي خمسة وعشرين ألف نسمة.
أما لواء الرصيفة الذي يبعد 15 كلم عن العاصمة، فيصل عدد سكّانه إلى أكثر من أربعمئة ألف نسمة، ويضمّ عدّة هيئات ثقافية لكنها تعاني من قلّة الدعم الرسمي وعدم امتلاكها رؤية لتطوير الفعل الثقافي في المدينة مثل غيرها من المدن الأردنية.
ويبعد لواء ماحص والفحيص أقلّ من 13 كلم عن عمّان، ويبلغ عدد سكّانه حوالي أربعين ألفاً، لكنه يتميّز بوجود مهرجان ثقافي تأسّس عام 1990 بمبادرة وجهود فردية من أهالي مدينة الفحيص وحمل اسم مدينتهم التي انخرط أبناؤها في العمل السياسي منذ خمسينيات القرن الماضي، إلى جانب بروز العديد منهم في مجال التجارة والأعمال.