في ظلّ تضارب التوقّعات حول الوصول إلى ذروة المنحنى الوبائي للموجة الثالثة من فيروس كورونا في الأردن، والتي لم تُحسم المؤشرات في شأنها بعد، أُعلن منذ أيام عن تنظيم الدورة العشرين من "معرض عمّان الدولي للكتاب" في الثالث والعشرين من الشهر المقبل.
إعلان أتى على لسان رئيس "اتحاد الناشرين الأردنيين"، جبر أبو فارس، بعد تأجيل موعد انتهاء فترة التسجيل لدور النشر الراغبة في المشاركة أسبوعين إضافيَّين لتأمين حضور أوسع في المعرض الذي أُلغي انعقاده العام الماضي، كما لم يُطلق معرض محلي بديل بحسب تصريحات الجهات المنظّمة.
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يشير أبو فارس إلى "تخفيض أجرة الجناح للناشر الأردني في محاولة لسدّ الخسائر التي بلغت أكثر من 70% من مجمل عائدات قطاع كان آخر القطاعات التي أُعيد فتحها بعد إغلاقات العام الماضي"، موضحاً أن "المعرض يكاد يشكّل فرصة أخيرة من خلال توفير أرضية للقاء القرّاء والمؤسسات الثقافية والجامعات مع الناشرين".
تراجع حجم قطاع النشر الأردني بأكثر من 70% العام الماضي
ويوضّح بأن "أمانة عمّان الكبرى" قدّمت وعوداً بزيادة المخصّصات لشراء الكتب، ويُتوقع من الجامعات أن تخطو الخطوة ذاتها، بدلاً من اعتمادها على معارض الكتب العربية والأجنبية في توفير حاجاتها من المؤلّفات الجامعية، مقابل تخصيص مبالغ زهيدة لشراء الكتاب الأردني، كما أن وزارة التربية والتعليم تراجعت عن سياساتها السابقة باقتناء العناوين الجديدة التي تصدرها دور النشر الأردنية بذريعة التقشّف في ميزانيتها، والذي أدّى إلى تهميش المكتبات المدرسية.
ويشدّد أبو فارس على أنه ما لم يتم دعم الكتاب من قبل المؤسسات الرسمية، فإن مزيداً من الإغلاقات تتهدّد الناشرين الذين خضعوا منذ عامين لقانون ينص على تجديد ترخيص دورهم من "هيئة الإعلام" مقابل مبلغ معيَّن، وإلا يتمّ إلغاء مزاولتهم للمهنة. وفي الوقت نفسه، لا تزال وزارة الثقافة التي تشارك في تنظيم المعرض تتوجّه في دعمها للكاتب مباشرة، وتتجاهل إمكانية دعم الناشر.
ويلفت أيضاً إلى أن مشكلة القرصنة تسبّبت بأضرار فاقت تأثير الجائحة في ما يخصّ الكتاب الأكاديمي، ورغم تشكيل لجنة للملكية الفكرية في الاتحاد بالتنسيق مع مكتب حقوق المؤلف في "المكتبة الوطنية"، إلا أن الانتهاكات مستمرة من خلال المواقع الإلكترونية التي تتيح نسخاً مزورة من معظم المنشورات التعليمية.
شكوك حول إمكانية تنظيم المعرض في ظل الحالة الوبائية
من جهته، يدعو أكرم سلامة، مدير "دار البيروني"، في حديثه إلى "العربي الجديد"، إدارة المعرض إلى "تبنّي رؤية مختلفة من خلال تطبيقات تسهم بتغيير آلية التعامل مع المعارض حتى تتحول من أماكن لبيع الكتب فقط إلى مساحة حقيقية للتفاعل بين اطراف عملية صناعة الكتب، وهي: المؤلف والناشر والقارئ، وكذلك التفاعل مع منتجي التقنيات التي تسهم بتشجيع القراءة وتوازنها مع حماية حقوق التأليف والنشر، والتي تشكّل التحدي الأعظم في المرحلة القادمة، حيث ستسهم التقنيات الحديثة بتغيير أنماط الحماية لحقوق المؤلف وتلك المجاورة لها". ويضيف: "يتطلب نجاح المعرض أيضاً تطوير وسائل التواصل مع الجمهور بشتى السبل، ووضع خطّة مغايرة للفعاليات المرافقة، وإتاحة الفرصة أمام المشاركين للتفاعل معها واقعياً وافتراضياً، ما يستدعي الاعتماد على تقنيات ليست متوفّرة لدى المنظّمين".
أمّا أحمد أبو طوق، مدير مدير "الدار الأهلية"، فيعبّر عن عدم تفاؤله بالمطلق، مستنكراً إمكانية إقامة معرض في ظلّ الظروف غير الطبيعة التي تشهدها البلاد منذ بدء الجائحة، ناهيك عن تدهوّر الأوضاع الاقتصادية، وعدم القدرة على التكّهن بالحالة الوبائية التي يمكن أن تشهد تطورات تحول دون انعقاده، ويضاف إلى ذلك كلّه تعذّر إمكانيات تنظيمية تسمح بتوفير مباعدة بين مئات الموظفين في دور النشر المشاركة والمشرفين على صالة العرض من عمّال وتقنيين، وآلاف الزوّار المفترض قدومهم، خاصةً أنّ المنظّمين لم يخفَضوا الطاقة الاستيعابية للصالة بما يتفق مع الإجراءات الاحترازية المتبعة.
ويرى أن الحل الأفضل يتمثّل بإلغاء "معرض عمّان للكتاب" في دورته الحالية، حيث سيتكبّد جميع المشاركين فيه خسائر محتمة، مؤكداً أنه لا حلول منتظرة للأزمة التي تعيشها صناعة الكتاب في الأردن، في ظلّ غياب الدولة التي لا تفكّر بدعمها نهائياً، بل إن النظام الاقتصادي والإداري عاجز عن حماية الناشر من قرصنة إصداراته التي ربما تتجاوز النسخ المزوّرة منها 90% من مجمل ما يتمّ توزيعه في الأسواق وعلى مواقع الكتب الإلكترونية.
اختيار مصطفى وهبي التل "عرار" شخصيةَ المعرض الثقافية
من جهته، يقول ماهر الكيالي، مدير عام "المؤسسة العربية للدراسات والنشر" إن أيّ معرض كتاب سنوي يمثّل فرصة للقارئ والناشر، خصوصاً أنه مضت سنتان أصدرت خلالها دور النشر النشيطة عناوين عديدة لمؤلفين كثر يرغبون في التفاعل مع قرّائهم داخل بلدهم، ما يدعونا كدار للمشاركة في المعرض لتقديم إصدارتنا الجديدة".
ويبيّن أن قطاع النشر الأكاديمي الذي يشكّل عصب صناعة الكتاب في الأردن تلقّى ضربة كبرى نتيجة إقرار أنظمة التعليم عن بُعد والتوجّه نحو الكتاب الإلكتروني، ما أثّر سلباً على حيوية هذا القطاع وإمكانية تطوّره، بينما يشهد ناشرو الكتاب الثقافي أزمة أقل يمكن تجاوزها مع فتح الحدود مع البلدان العربية بوتيرتها السابقة وإنهاء الإجراءات الاحترازية، وهو متوقع في العام المقبل.
لا ينكر الكيالي أن الظروف والمناخات الحالية تقيّد النشر في الأردن، وليس سهلاً تجاوزها، وعلى الجامعات والمؤسسات الثقافية دعم الكتاب، كما أن العديد من الناشرين ليس لديهم ملاءة مالية للمشاركة في المعرض، متمنياً من "اتحاد الناشرين الأردنيين" تذليل العقبات أمامهم من أجل حصولهم على نافذة تسويقية.
ويختم بالإشارة إلى أنه ليست هناك حلول سحرية لتغيير الواقع، فالأزمة ضاغطة على معظم الناشرين الذين لن تتحسن أوضاعهم سريعاً حتى لو عادت الجامعات والمكتبات المدرسية للتزوّد من إصداراتهم، ولن تنفرج الأمور ما لم تتراجع الحالة الوبائية وتُرفع قيود السفر والشحن والنقل، وتعود الحياة إلى طبيعتها.
يُذكر أن إدارة المعرض لم تعلن إلى اليوم عن البرنامج الثقافي مع تأكيدها بأن 80% من محتوياته تتركّز هذا العام حول مئوية الدولة الأردنية من خلال محاضرات ولقاءات حول تاريخ البلاد وعلاقتها مع القضية الفلسطينية ومشكلات التنمية، وتقرّر اختيار الشاعر الأردني مصطفى وهبي التل الملقّب بـ"عرار" (1899 - 1949)، شخصية المعرض الثقافية.