قبل انعقادها بنحو ستّة أشهر، أعلن جبر أبو فارس، رئيس "اتّحاد الناشرين الأردنيين"، أن الدورة الحادية والعشرين من "معرض عمّان الدولي للكتاب" مهدّدة بالإلغاء بسبب عدم العثور على مكان ملائم لإقامتها، بعد انتهاء عقد الإيجار لأرض تقع على طريق المطار أُبرم عام 2016.
رغم أن الهيئة الإدارية لـ"الاتّحاد" علمت بانتهاء العقد المذكور أثناء انعقاد الدورة السابقة في أيلول/ سبتمبر الماضي، إلّا أنها لم تُفصح عن ذلك حتّى مطلع الشهر الجاري، في خطوة قد تفسّر أنها محاولة للضغط على المؤسّسة الرسمية مع اقتراب موعد انطلاق الدورة المقبلة، لكنّها تطرح العديد من التساؤلات حول إدارة واحدة من أبرز التظاهرات الثقافية في البلاد.
"الاتّحاد" كعادته مشغولٌ بحلول ترقيعية لمشكلات متراكمة، حيث خاطب الجهات المعنية، ممثّلَةً بوزارة الثقافة وأمانة عمّان الكبرى، من أجل تخصيص مكانٍ بديل ستكون مساحته صغيرة بالتأكيد ولا تتناسب مع عدد دور النشر المشاركة التي تجاوزت ثلاثمئة وستين في السنوات الماضية، كما أن إيجاره سيُحَدّد بفترة معلومة سرعان ما تنقضي أيضاً.
تصريحات أبو فارس مرّت مرور الكرام رغم تناقلها عبر وسائل إعلام محلّية وعربية عديدة، من دون أن تحرّك الجهات الرسمية ساكناً، بل وبدا أن الأمر كلّه متروك للقاء مرتقب مع وزيرة الثقافة لم يُحدَّد موعده بعد؛ لقاءٌ يناقش إمكانية تنظيم المعرض إذا ما مُنحت تلك الأرض "الموعودة" هذا العام، ويغيّب اختلالاً أساسياً يتعلّق باستمرار معرض يشرف عليه ويديره "اتّحاد الناشرين" (وهو جمعية ثقافية أهلية)، بينما يجب أن يتحوّل إلى مؤسّسة مستقلّة تتبع وزارة أو هيئة حكومية، على غرار غالبية المعارض العربية.
لم يستفد قطاع النشر الأردني من طفرة سوق الكتاب مؤخراً
مأسسةٌ بقيت بعيدة المنال في بلد تُدار فيه شؤون الثقافة ضمن مواسم عابرة، يُنفق عليها من أموال دافعي الضرائب من دون أن يُسمح لهم بالمشاركة في صنع القرار أو مراجعة قرارات تمسّ حياتهم اليومية ومنظومة حقوقهم الأساسية، وعليه، يجب التساؤل إن كان الهدف من المعرض هو توطين المعرفة للمساهمة في تنمية المجتمع والدولة، أم أنه مجرّد احتفالية عابرة لالتقاط الصورة التذكارية للمسؤولين...
المعطيات الحالية تذكّر بأحوال المعرض ما قبل 2016، حيث حالت الخلافات داخل "اتّحاد الناشرين"، أو بسبب الدعم المتواضع له، دون انعقاده في أكثر من عام. ولم تتغيّر الصورة كثيراً إلى اليوم مع ضعف التنسيق بين الأطراف المسؤولة، واستمرار تقديمها مقاربات سطحية لا ترقى للتعامل مع تظاهرة يفترض أن تقدّم صورة حضارية عن الأردن كدولة ومجتمع.
وكيف تتحقّق استدامة المعرض طالما يحتاج كلّ عام إلى معونات عاجلة تُمنح بالقطعة إلى "اتّحاد الناشرين الأردنيين"، الذي يعاني من شحّ الميزانية وعدم وجود قاعدة بيانات أو دراسات حول واقع صناعة الكتاب، واتّجاهات القراءة وأنماطها، والارتهان إلى آليات تقليدية في الطباعة والنشر والتوزيع، بسبب نقص الاحترافية والمهنية لدى العديد من دور النشر، تُضاف إليها مشاكل الرقابة وغلاء التكاليف التشغيلية.
ولم يستفد قطاع النشر الأردني من طفرة عاشها سوق الكتاب خلال السنوات الأخيرة مع ظهور عدد من الدور التي استقطبت كتّاباً عرباً، وازداد حضورها كمّاً ونوعاً في معارض الكتب العربية بعد تراجع نظيرتها اللبنانية، كما أن اعتماد الكتاب الأكاديمي الذي يُنشر في الأردن لدى جامعات ومؤسّسات عربية، لم يتعدّ كونه نجاحاً فردياً لبعض الناشرين.
ومع انتشار جائحة كورونا، تعاظمت خسائر القطاع الذي لم يصمد فيه سوى خمسين دار نشر من أصل أكثر من مئة وخمسين تحتضتها عمّان، نتيجة عدم قدرتها على تطوير صناعتها من جهة، وتوجُّه المؤسّسات الثقافية في البلدان العربية، الخليجية تحديداً، إلى التقشّف في ميزانياتها التي كان يذهب جزء منه لاقتناء الكتاب الأردني والعربي.
لا داعي لاختراع العجلة من جديد، وعلى الدولة الأردنية أن تنظّم معرض عمّان بنفسها بعد إنشاء مقرّ دائم له ضمن مؤسّسة متخصّصة تحظى بميزانية سنوية ثابتة، وإقرار استراتيجية تجعل الكتاب جزءاً من خطط التنمية في مختلف القطاعات، بدلاً من تجاهل الثقافة بالمطلق في جميع البيانات الوزارية التي قدّمتها الحكومات الأردنية المتعاقبة على مدار قرن مضى.