رغم قربها الجغرافي النسبيّ من العواصم الكبرى في غرب أوروبا، ورغم تصدّر مآسيها وحروبها عناوين الصحف ونشرات الأخبار لسنوات طويلة، إلّا منطقة البلقان ما زالت ترزح تحت جهلٍ واسع بثقافتها وتاريخها في بلدان غربيّ القارّة، إلى حدّ لا يمكن معه، حتى لبعض المثقفين الأوروبيين، استحضار أسماء أو تواريخ بارزة تخرج عن تلك التي ظهرت على الساحة خلال حروب ومذابح التسعينيات.
ولا يشكّل المشهد الفنّي في هذه الرقعة من شرق أوروبا استثناءً في القاعدة، وهو جهلٌ تسعى مؤسّسات وجهات ثقافية أوروبية إلى تلافيه وإصلاحه، ومن ذلك معرض "نسيج حَضَريّ: هذا المكان المُسمّى البلقان"، الذي يُفتتح في "معهد ثقافات الإسلام" باريس في الخامس عشر من أيلول/ سبتمبر الجاري.
يتضمّن المعرض ــ الذي يستمر حتى الحادي عشر من كانون الأول/ ديسمبر المقبل ــ أعمالاً لستّة عشر فنّاناً وفنانة في مختلف الحقول الفنية، مثل النحت، والتصوير الفوتوغرافي، والرسم، والتصميم، والتجهيز، والكاريكاتير، والتشكيل، والأعمال الصوتية أو المصوّرة.
وكما يُشير العنوان، فإن المعرض يتّخذ من الفضاء الحَضَريّ المدينيّ مدخلاً إلى الفن البلقاني وثيمة عامّة له، في مسعى لإعطاء صورة عن التنوّع الثقافي والمعماري والجغرافي للمنطقة، وعن تحوّلاتها المستمرّة، اجتماعياً وسياسياً.
تتمحور أغلب الأعمال المعروضة حول علامات وآثار هذه التحوّلات على المشهد الحضري وعمارات المدن ومبانيها وأضرحتها، في إطار زمني يمتدّ من يومنا هذا وحتى الآثار المتبقيّة من الفترة العثمانية. وتسعى الأعمال إلى تصوير عملية كتابة وإعادة كتابة اللحظة والتاريخ، بشكل فردي وجماعي، التي شهدتها مدن المنطقة في العقود الماضية.
ينتمي الفنانون المشاركون إلى مختلف دول البلقان، مثل ألبانيا، والبوسنة، وكوسوفو، إلى جانب فنانين من بلدان مثل كرواتيا وصربيا، وآخرين من غرب أوروبا يقيمون في مدن البلقان.
يُذكَر أن المعرض يترافق مع العديد من الفعاليات الثقافية التي تضيء على ثقافات البلقان المتعدّدة، إن كان في الموسيقى أو التراث أو التنوّع الديني، إلى جانب محاضرات تغطّي الفترة بين حضور الدولة العثمانية في المنطقة وحتى مرحلة ما بعد الشيوعية.