ما زال الحديث عن القصة القصيرة بالمعنى الإجرائي في الأوساط الأدبية العربية ضعيفاً، خاصّة أنّه سرعان ما تُستدعى مقارنات - على طريقة لزوم ما لا يلزم - مع الرواية والشعر، الفنّين الأدبيَّين الأكثر رواجاً وتلقّياً. بالطبع لا نتحدّث هنا عن مساحة الاعتراف، ففي الجامعات العربية تُقدّم الكثير من الأطروحات التي يكون موضوعها القصة القصيرة، إنّما القصد هو الوصول بهذا الفن إلى حالة تجعله بمنأىً عن أن يوصف بأنّه ما زال في طور التأسيس. المُلتقيات والجوائز بل حتّى المناهج المدرسية قد تلعب دوراً كبيراً في هذا، إلّا أن التقييم ونقطة البدء يتمثّلان في جدلية الإنتاج والنقد.
"ملتقى القصّة القصيرة الأوّل لموقع صدى" عنوان الفعالية التي احتضنها السبت الماضي "مركز سيا الثقافي" بالقاهرة، في محاولة من المنظّمين للخروج بالقصة القصيرة من ذلك الإطار، والانتقال بها إلى قراءة رحبة تتفاعل فيها النظريات والتطبيقات. ولكن الوقت الذي انتظمت فيه الفعالية لم يكن يكفي حقاً لإنجاز أي مهمّة، بل إنّ الساعات المخصّصة (من الرابعة إلى العاشرة مساء) لا تكفي للتعرّف على أسماء المشاركين، ويمكنُ القول إنّ المشاركة كانت كثيفة مقارنة بالوقت المتاح.
هذا ليس نقداً شكلياً يُوجّه للتنظيم، فليس الأمر حفلة غنائية ومن حقّ وسائل الإعلام الثقافية أن تصل بالمعنى العملي إلى مادّتها، كما يصل ويتأمّل الناقد الأدبي بمادّته. ولا يشكّك هذا بحُسن المبادرة التي تقوم عليها مدوّنة "صدى.. ذاكرة القصة المصرية" الإلكترونية، لكن ماذا بعد المُبادرة؟ فالحدث بعد انقضائه أظهرَ، ولو بشكل غير مباشر، أنّ فن القصة القصيرة ما زال جنينياً وبمؤهّلات تُحوِّل النوايا إلى مجرّد وَمضاتٍ سريعة، وليست أحداثاً إعلامية مكشوفة على شرائح واسعة من الجمهور.
حاول المنظّمون تصدير قراءة تتفاعل فيها النظرية مع التطبيق
ورغم ما سبق، تجدر الإشارة إلى أنّ الملتقى احتفى بالأصوات الجديدة، فحضرت من خلال الجلسة التطبيقية التي حملت عنوان "قراءات في القصة القصيرة" وشارك فيها كلٌّ من كتّاب القصّة: بيتر ماهر الصغيران، وعبير سليمان، ويارا كمال، ومحمد حسني عليوة.
أمّا المشاركات البحثية فقد تحدّث فيها كلٌّ من الكاتبَين: عبد القهّار الحجّاري وعزيز المحساني وشملت أوراقهما القصة المغربية بوصفها "ضيف الشرف العربي" في الملتقى، كما ساهم في هذا المساق كلٌّ من القاصة فدوى العبود (سورية) والباحثة سلوى عثمان (السودان). في حين تناول الباحثان أشرف عكاشة ومدحت صفوت نماذج كتابية من القصة المصرية تحت عنوان "ملامح التجديد في القصة المصرية". كذلك قدّم كلٌّ من الباحثَين دعاء الحناوي وشوقي عبد الحميد مداخلتيهما في الجلسة الثانية المعنونة بـ"الفاعلية التقنية بالبناء القصصي".
بعد كلّ هذه الكثافة في المشاركات، يبدو أنّ الملتقى كان بحاجة لنفَس أطول على المستوى الإعلامي إن لم نقل التنظيمي أيضاً، كي لا تُغبن جدّية النصوص المنقودة وتضيع في غمرة العناوين الثقيلة، وينقذ نفسه من صبغة المحلّية.
غير ذلك، فإنّ الحدث لأي قارئ أو مهتم بالقصة بدا حالُه كحال مدوّنة "صدى" التي أطلقها القاص سيد الوكيل منذ عام 2018، إلّا أنّها ما زالت تأخذ شكل "المبادرة" بما تعنيه الكلمة من همّة في الإنتاج والجمع والتوثيق مقابل محدوديّة في التلقي الحقيقي. إنّ صدىً لا يتردّد في المسافات القريبة، وأكثر ما يحتاجُ إلى مدى أوسع تتحوّل فيه المبادرة إلى مغامرة وثّابة.