مثّلت الثورة العرابية (1879 - 1882) ــ لعقود طويلة ــ مرجعية وطنية وأخلاقية في مصر الحديثة، باعتبار أنها كانت حركة عفوية من ضبّاط مصريّين ضدّ فساد بلاط الخديوي توفيق، ثم ضدّ الاحتلال البريطاني.
ورغم فشلها في تحقيق طموحاتها بإصلاح جهاز الدولة ومنع التمدّد الكولونيالي البريطاني في مصر، إلّا أنها حافظت على مكانتها الاعتبارية لزمن طويل، قبل أن تعرف بعض الانحسار مع ظهور مناخ ثقافي مندمج في النزعة الاستهلاكية أو يعود إلى مرجعيات أبعد من تلك الوطنية.
كان عبد الله النديم (1842 - 1896) أحد وجوه الثورة العرابية في مصر، وهو ما جعله أحد مرجعيات "الضمير المصري"، إذا استعرنا عبارة صلاح عبد الصبور، لكنه دخل منطقة الظلّ في وقت لاحق، من سبعينيات القرن الماضي إلى زمن قريب، ككلّ رموز الحركة العرابية.
ضمن "معرض القاهرة الدولي للكتاب" الذي اختتمت فعالياته منذ أيام، صدرت عن "دار المرايا" الأعمال الكاملة لـ عبد الله النديم في جزأين تحت عنوان "نصوص عبد الله النديم"، وقد جمعها وحقّقها الباحث علاء الدين محمود، وهو ما يشير إلى عدم انقضاء تلك المرجعية العرابية بشكل كامل.
كان النديم يسمّى بـ"شاعر الثورة العرابية"، حيث أنه طوّع القصيدة للموضوعات النضالية المباشرة وحاول أن يحقّق من خلالها التعبئة الجماهيرية، وقد اعتبر عديد المؤرّخين أن النديم يمثّل أحد محرّكات الروح الوطنية مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، مع التأكيد على أنه الأكثر راديكالية ضد النظام السائد والأشد قُرباً للنبض الشعبي.
على مستوى آخر، تُمثّل كتابات النديم، الشعرية منها والنثرية على حد السواء، وثيقة تاريخية من حيث إضاءتها واقع مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بكلّ صدق. ويذكر أن الكثير من كتبه قد ضاع ضمن تضييقات الخديوي والاحتلال البريطاني عليه، كما جرى إتلاف الكثير من مخطوطاته إثر نفيه إلى تركيا.