بات مفهوم "الأرضنة" جزءاً متفاعلاً مع المادّة التي يشتغل عليها تيارٌ فنّي واسع؛ استقى اسمه "فنّ الأرض" من الأرض بوصفهاً محيطاً حيوياً. وفي هذا الإطار العام تمكنُ قراءة أعمال المعرض الذي توقّعه الفنّانة آنيا سليمان في "غاليري صفير زملر" ببيروت وعنوانه "أرضنة" (Terraform). افتُتحَ المعرض في 25 الشهر الماضي، ويستمرّ حتّى 7 كانون الثاني/ يناير من العام المُقبل.
الحجوم الكبيرة والضخامة هما أوّل ما تلتقطه أعيُن المتلقّين، تجهيزاتٌ من ورق وقماش بشكلٍ أساسي، مع حضور لموادّ أُخرى، لا تبتعد عن نقطة انطلاق أوّلية؛ مفادُها إعادة تكوين العناصر البيئية ثم تسخيرها ضمن الموضوعة الأساسية للمعرض وهي الغابة، بهذا فقط يتحوّل الاهتمام في التوجّهات الإيكولوجية إلى موقف ونظرة من الطبيعة والوجود حولنا.
من جهة ثانية لا تخلو أعمال سليمان من التفاتة مستقبلية إلى مصير كوكبنا، خاصّة في زمن الجائحات والأوبئة وما بعدها، إن لم نقل شيئاً عن النُّذر بحروب عالمية شاملة.
لونياً، وإنْ كانت اللوحة مؤطّرة باخضرار يَتركُ للفراغات البيضاء مساحتها الموحية، إلّا أنّها أيضاً تستعير من الموجودات وظائفها، حيثُ ترتصف الأغصان والأشجار، وكذلك الحيوانات، مُنفتحة على بيئة استوائية واسعة تمدُّ بحجم اللوحة، وكأنّ كائنات العمل المُتعملقة هي ما تدفع حدوده.
كما أنّ عملية نسخٍ وتناظر تُركّب عناصر اللوحات بالمجمل، وهنا يستحيل المعرض بأسرِه إلى تشكيلٍ غابي عامّ، في لحظة اتّحاد مُطلَق بالطبيعة، وامتثال لمفهوم الأرضنة الذي انطلقت منه التشكيلية.
تبقى المفارقة اللافتة في الأعمال هي الإشارة إلى إشكالية الوعي عند عموم البشر بالتحدّيات البيئية، إلّا أنّ أنشطتهم لا تتوافق مع تلك الحساسية، إذ على العكس تماماً فالأشجار الاصطناعية مثلاً، ورغم ما تكثّفه من اخضرار مُبتذَل، تخبّئ تكويماً بلاستيكياً وأضراراً لا حدّ لها.
الجهة التي تتحرّك فيها اشتغالات آنيا سليمان عُلوية، من الأشجار والغيوم إلى الخردة وقطع الفوارغ، إنّها الوحدة الكلّية لعناصر الكون، السماءُ فيها لا تتعالى على الأرض، إنّما هي مرآةٌ لها، تُعيد تعريفها وألفتها وقُربها من كائن بشريٍّ مُسرِفٍ في التلويث.