آيلتون كريناك: نهاية العالم التي وقعت بالفعل

01 أكتوبر 2020
(آيلتون كريناك)
+ الخط -

كلما جرى الحديث عن "نهاية العالم"، فإننا نستحضر في الغالب قصصاً من الميثولوجيات القديمة أو من الخيال العلمي حديثاً، في الرواية أو في الأفلام الهوليوودية خصوصاً. لكن التفكير في نهاية العالم لا يبدو أنه يشغل الباحثين والمفكّرين إلا على سبيل التحذير من عواقب سياسات الحاضر من زاوية اقتصادية أو بيئية.

هكذا تبدو نهاية العالم موضوعاً غير جدير بالانشغال النظري، وهو ما يدلّ عليه مثلاً كتاب أنجزته "منشورات فايار" في فرنسا عام 1998 طرحت فيه سؤال النهايات - مع انتشار هذا الخطاب أدبياً وسينمائياً بقرب سنة 2000 وقتها - على أربعة من أبرز مثقفي العصر؛ المؤرّخ الفرنسي جان دوليمو وعالم الحفريات الأميركي ستيفن جاي غولد والسيميولوجي الإيطالي أمبرتو إيكو والكاتب المسرحي الفرنسي جان كلود كاريير. يكاد يُجمع هؤلاء على السخرية من فكرة "نهاية العالم"، وقد ربطوها جميعاً بالمتخيّل الذي تبنيه المجتمعات للتعامل مع كل ما هو مجهول.

مؤخّراً، صدرت في فرنسا ترجمة لكتاب بعنوان "أفكار لتأخير نهاية العالم"، وهنا يبدو الموضوع وقد وجد من يفكّر فيه بشكل جدّي. ففي العمل الذي وضعه البرازيلي آيلتون كريناك (1953) ليست نهاية العالم مقولة تنبّؤية وإنما هو حدث وقع بالفعل وقابل للتكرار. يعود كريناك هنا إلى القرن السادس عشر ويعتبر أن شعوب قارة أميركا قد عاشت نهاية العالم باعتبارها نهاية حقيقية، العالم باعتباره تكويناً مشتركاً يتجسّد في أذهان أفراد جماعة ما. وقد كان الغزو الأوروبي عبارة عن تحطيم هذا العالم وانهياره في أذهان معظم شعوب القارتين، خصوصاً أن نصوصاً تعبّدية كانت تشير إلى هذه النهاية وهو ما يجعل الغزو الأوروبي يبدو في أذهان من يعرف تلك النصوص يبدو مثل تحقيق نبوءة ما يزيد من قناعة هؤلاء بفكرة نهاية العالم.

ليست نهاية العالم مقولة تنبّؤية بل حدثٌ وقعَ وقابل للتكرار

هكذا يُخرج كريناك مقولة نهاية العالم من الأفق الإيكولوجي تماماً والذي تعوّد الإنسان المعاصر أن يردّ كل خطر من أخطار نهاية العالم إليه. يرى كريناك أن إفناء عالم ما لا يحتاج بالضرورة إلى كارثة طبيعية كوكبية بل إلى التقاء ثنائية العنف والتسليم؛ عالم يفرض منطقه ومعاييره ورؤيته للأشياء بالعنف وعالم يسلّم له بذلك. ومن هذا المنظور، فإن عوالم كثيرة قد انقرضت من العالم الكبير جرّاء تمدّد الغرب.

يتساءل كريناك: كيف لا نعتبر من حادثة نهاية عالم شعوب الأميركتين، ونحن نقف أمام فرضيات جديدة من إشكالية نهاية العالم؟ سؤال جديد يطرق أسماعاً قلما أصغت لمفكرين غير بيض.

أفكار لتأخير نهاية العالم

 

من الواضح أنه بفضل الجائحة التي ضربت العالم، بدأ الغرب ينتبه إلى كريناك، والغرب يسبق في ذلك ثقافات أخرى هي أولى بمن يتحدّث عن استراتيجيات جديدة لصدّ محاولات ابتلاع العوالم التي تنشئها الشعوب على مدى قرون بمخيالها وقيمها وذائقتها وتصوّراتها.

يصعب اليوم تصنيف كريناك، بين الزعيم السياسي وهو أحد الناشطين الذين يحملون لواء الدفاع عن "السكّان الأصليين" في بلاده، وبين مفكّر بدأت طروحاته تشقّ طريقها في تفسير الظواهر وتفكيك الإشكاليات بمفاهيم ومنظورات أصيلة، لكن من يمنحه هذا الموقع - موقع المفكّر - وهو الذي يعتمد غالباً على اللقاء المباشر مع الناس كأداة تبليغ، فيما لم يُصدر إلى الآن سوى ثلاثة كتب. حتى موقع ويكيبيديا لم يلتفت إليه بعد، ففي ما عدا لغته البرتغالية لا يحضر تعريفه إلا باللغتين الإسبانية واليابانية، وليس عدد اللغات التي وصلت إليها أفكاره ببعيد عن ذلك، غير أن اهتزاز القدرات التفسيرية لمعظم مفكّري الغرب قد تدفع إلى الانتباه إلى ما يقوله كريناك وآخرون خارج أوروبا وأميركا الشمالية.

المساهمون