استيقظ الشاعر التركي أحمد تيلِّي في الثاني من حزيران/ يونيو الماضي على خبر استدعائه للإدلاء بشهادته في مركز الشرطة بالعاصمة التركية أنقرة، بعد اتهام أحد محامي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان له بتهمة "إهانة الرئيس"، على أثر نشر تدوينة تتضمن شتائم بذيئة على حساب يحمل اسم الشاعر وصورته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
ولا يُعَدّ هذا النوع من الاتهامات غريباً في تركيا، ولكن في الأوساط السياسية، حيث تتبادل الشخصيات السياسية الاتهامات بإلإهانة فيما بينها، ويرفع أحدهم دعوى قضائية على الآخر، وهي حادثة تتصدر صفحات الجرائد التركية اليومية بشكل مستمر. إلا أن المفارقة أن القضية هذه المرة كانت بحق شاعر. ويُعَدّ أحمد تيلّي الذي وُلد عام 1946 في ولاية تشانكيري التركية من أبرز الشعراء الأتراك المعاصرين، وله أكثر من 15 مجموعة شعرية، وقد بدأ بنشر قصائده منذ أوائل السبعينيات، وصدرت مجموعته الأولى عام 1979 بعنوان "سنوات الحريق"، وأتبعها في العام التالي بمجموعة "الحزن يصبح تمرداً"، بالإضافة إلى العديد من المجموعات الأخرى، مثل "فسد الماء"، و"ربما أعود مرة أخرى".
وقد أعلن الشاعر على حسابه الشخصي أنه ليس له علاقة بهذه الصفحة المذكورة، وأنه لا يستخدم على مواقع التواصل الاجتماعي إلا صفحته الشخصية، ولا علاقة له بالصفحات الأخرى التي تحمل صورته واسمه، ولا يعرف حتى من يدير تلك الصفحات. المفارقة في هذه القضية، أن المعجبين بالشاعر هم الذين تسببوا بوضعه في موضع الاتهام أمام القضاء. ويعلّق الشاعر التركي على ذلك بقوله: "هل من الممكن أن تتسبب الصفحات التي يديرها الآخرون، الذين من المحتمل أن يكونوا معجبين بشعري، بجرِّي هكذا إلى مراكز الشرطة؟".
نعم صورته في هذا الحساب، ولكن هذا لا يعني أن الصفحة له
إلا أن الاتهامات الموجهة إلى الشاعر لم تتوقف بعد إدلائه بشهادته في مركز الشرطة، وإعلانه على صفحته الشخصية عدم معرفته بهذه الصفحة. واستمرت الدعوى القضائية بحق الشاعر حتى جاء موعد جلسة الاستماع في القضية بالمحكمة المدنية الابتدائية في أنقرة يوم الجمعة الماضي. وفي حديثه إلى "العربي الجديد"، يذكر تيلّي ما أدلى به في جلسة الاستماع: "هذه الصفحة لا تخصني، وأنشأها المعجبون، وهناك العديد من الصفحات المزيفة التي تحمل اسمي. أطالب بالبراءة". وأضاف تيلّي: "يؤسفني أن يحدث ذلك، وأن تُرفع دعوى قضائية بحقي في هذا الأمر، ونحن في عصر التكنولوجيا. إنهم واثقون من عدم معرفتي بهذا الأمر، لكنهم يطيلون المسألة أكثر من اللازم".
بينما صرّحت محامية الشاعر، جولهان تاباك للصحافة التركية: "كان ينبغي للمحكمة ألّا تقبل هذا الادعاء من الأساس. فمن الممكن تحديد مكان الهاتف أو الحاسوب الذي كُتبت منه هذه الإهانات، إن موكلي شاعر مشهور وصوره تملأ الإنترنت، ولذلك ليس من حقكم أن تربطوا هذه الإهانات به لمجرد ذكرها على صفحة تحمل اسمه وصورته. نعم صورته في هذا الحساب، ولكن هذا لا يعني أن الصفحة له".
وصرّح أيضاً إلياس تانييلي، وهو محامٍ آخر للشاعر: "إن رفع هذه الدعوى مخالف للدستور من الأساس. هناك أشياء عديدة ناقصة في تحقيقات النيابة... ورغم إفادة موكلي بأنه لا علاقة له بهذه الصفحة، فقد رُفعَت دعوى قضائية بحقه. نطالب ببراءة موكلي على الفور. فبحسب ما صرّح أحمد تيلّي، ليس له على مواقع التواصل الاجتماعي إلا صفحة شخصية واحدة يستخدمها منذ 2017، وذكر منذ ذلك الوقت أنه غير مسؤول عن أي شيء يُكتب باسمه على حسابات أخرى".
أما محامي الرئيس أردوغان، حسين أيدن، فقد صرّح بالآتي: "يجب تحديد مكان الجهاز الذي صدرت منه هذه الإهانات، لأن المسؤولين عن "فيسبوك" لا يشاركون هذه المعلومات مع الحكومة التركية". وقد أُجِّلَت القضية إلى السابع من كانون الثاني - يناير 2021، حتى يجري التحقق من مكان الجهاز المستخدم، ومعرفة إذا كان جهاز الشاعر أحمد تيلي أو لا.
وتضامن عدد كبير من الكتّاب والشعراء الأتراك مع الشاعر المتهم، من بينهم الشاعر شُكرو إرباش، والروائية ثريا فليز، والشاعر صالح بولات، وغيرهم من الكُتاب والمثقفين الذين اعتبروها قضية هزلية، وورد في أغلب تعليقات المتضامنين مع الشاعر أنه أصبح من الممكن في عصر السوشيال ميديا أن يتمكن معجبو أحد الشعراء أو الكُتّاب من إنشاء صفحة وهمية باسم شاعرهم المفضل، واستخدام هذه الصفحة لأغراض سياسية. واعتبر بعض المتضامنين أن هذه القضية مُسيّسة، وتتعلق بماضي تيلّي اليساري المعارض.