ليس الفنان المصري أحمد مرسي واحداً من أكبر الفنانين المصريين الأحياء عمراً فحسب (91 عاماً ـــ من مواليد 1930)، بل أيضاً من حيث الأهمّية الفنية، إذ تشكّل تجربته، الممتدّة على ما يقرب من سبعة عقود، واحدةً من أغنى التجارب التشكيلية التي أخرجها البلد في القرن الماضي، إلى جانب أسماء مثل محمود سعيد، ومحمد ناجي، والأخوين سيف وأدهم وانلسي، ورمسيس يونان، ومحمد عبلة، وغيرهم.
ورغم مغادرة الفنان مسقط رأسه، مدينة الإسكندرية، ولمصر بشكل عام، قبل نحو أربعين عاماً، إلى الولايات المتحدة، حيث يقيم منذ عام 1974، إلّا عناصر "حياته الأولى" هذه، من ملامح ووجوه وأغراض وأجواء لونية، لم تغادر لوحاته، وهو ما يأتي ليثبته، مرّة أُخرى، معرض "تفصيلٌ من جداريّة" الذي يُفتتح في "صالون 94" بمانهاتن في نيويورك الثلاثاء المقبل، العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
يقدّم المعرض مختارات من أعمال مرسي تغطّي أكثر من ستة عقود من اشتغالاته، حيث تعود أقدم اللوحات المعروضة إلى عام 1948، في حين أُنجز آخرها عام 2010؛ وهي أعمال تتنوّع في مواضيعها وأجوائها مع وفاءٍ إلى الرؤية نفسها على صعيد التكوين واللون والخطوط.
إذا كان تصنيف مرسي كفنان سورياليٍّ أمراً صحيحاً، فإنّ لوحات معرضه هذا لا تحيد تماماً عن هذه المقولة، حيث تبرز في أغلبها الأجواء فوق الواقعية، الحُلُمية تارةً ــ حيث الوجوه الشاردة، ومتعدّدة الأعين أحياناً، على خلفياتٍ لونية باردة، وضمن تكوينات للوجه تبتعد عن صورته المألوفة ــ والفانتازية، التخييلية، تارةً أخرى، كما في هذه اللوحة (لا تحمل عنواناً) التي تعود إلى عام 1985 (أكريليك على قماش) والتي تتوسّطها عينٌ مفتوحة تبدو كرأس كبير لشخص مستلق على أرضية سوداء، بما يذكّر باشتغالات لبعض روّاد السوريالية.
لكنّ منظّمي المعرض يحاولون، في الوقت نفسه، إطلاع الزوّار على مراحل مختلفة من تجربته، كتلك اللوحات التي تخرج من السوريالية إلى تصوير واقعي، أو شبه واقعي، والتي تحضر فيها وجوه ومشاهد مصرية؛ بورتريهات لفلّاحين ونساء أو فتيات يحملن وروداً، وهي في مجملها أعمال تنتمي إلى العقدين الأوّلين من تجربته.