في السنوات العشر الأخيرة، ازداد في إسبانيا، بشكلٍ واضح، عدد دُور النشر التي تُصدر كتباً مختصّة بالدراسات الأندلسية، وتتناول الحقبة التاريخية المهمة التي لطالما أهملها التاريخ الرسمي الإسباني واعتبرها فترة من فترات انحطاطه، لدرجة أنها لم تكن تُدرَّس في المدراس الرسمية، ولم تكن تُذكر داخل التاريخ الإسباني، على الرغم من الإرث الحضاري الكبير الذي تركه الأندلسيون في شبه الجزيرة الإيبيرية.
يعود هذا الاهتمام المُتأخّر نوعاً ما إلى الدور الذي يلعبه عددٌ من المستعربين والمختصّين بالدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الإسبانية، حيث يؤكّدون على ضرورة العودة إلى تلك الفترة التاريخية، واعتبارها جزءاً هاماً من التاريخ الإسباني، بل واعتبارها أيضاً مكوّناً من مكوّنات الهوية الإسبانية المتعدّدة.
ضمن هذه الجهود التي تُبذل لنشر الأدب والتاريخ الأندلسي، لا بدَّ من ذِكر الدور الذي تقوم به دار نشر "Almuzara" الإسبانية (كلمة ذات أصل عربي، وتعني "المزرعة")، حيث تَصدر فيها، تحت اسم "الأندلس"، واحدة من أهمّ السلاسل الأدبية التي تُعنى بتاريخ الأندلس وآدابها وعلومها وشعرها، سواء من حيث التأليف أو الترجمة.
عن هذه السلسلة، صدرت مؤخّراً الترجمة الإسبانية لكتاب "أخبار مجموعة: فتح الأندلس وذكر أمرائها رحمهم الله والحروب الواقعة بينهم"، بتوقيع المترجم والمستعرب الإسباني البارز إيميليو لافوينتي ألكانترا، وبتحرير وتعليق الباحث دانييل فالديفيسو راموس.
يُعتبر الكتاب، على الرغم من صغر حجمه، مصدراً هامّاً لتاريخ القرون الثلاثة الأُولى في الأندلس، حيث يروي تفاصيل عن فتح الأندلس، والحروب التي كانت دائرة بين الأمراء الموجودين هناك، حتى لحظة وصول "صقر قريش"، عبد الرحمن الداخل، وتأسيس الإمارة الأموية.
ويبدأ الكتاب في فصوله الأُولى ذاكراً قصص فتح الأندلس، وصولاً إلى نهاية عهد الولاة، ثم دخول عبد الرحمن الداخل الذي دشّن العصر الثاني في الأندلس، لتبدأ بذلك مرحلة الاستقرار الأموية في شبه الجزيرة الإيبيرية.
تعود النسخة الخطية الأُولى من الكتاب إلى "المكتبة الأهلية" في مدريد؛ وهي نسخة وضعها مؤلّفها المجهول في أغلب الظنّ ضمن مجموعة أُخرى من المخطوطات، وتقع ورقاتها من هذه المجموعة من الورقة 51 إلى 117. وكان أوّل من ظفر بهذه المخطوطة المستعرب الإسباني إيميليو لافونتيه، وقد اعتمد عليها في ترجمة الكتاب الذي صدرت طبعته الأولى بالإسبانية سنة 1876.
تتميّز النسخة الجديدة التي صدرت عن "دار المزرعة"، بأنّها مراجعة من قبل الباحث الإسباني دانييل راموس، حيث علّق على كثير من التفاصيل والأخبار، ودقّق بعض الحوادث وقارنها مع غيرها كما جاءت في كتب ومصادر تاريخية أُخرى، إضافة إلى أنّه كتب مقدّمة طويلة أطّر فيها لهذه "المرحلة المهمّة من التاريخ الإسباني"، على حدّ تعبيره.